أطفال غزة قبل الرحيل…. هل أرواحنا توقظ ضمائركم؟
الصراخ تحت الركام والشعور بالألم قبل الرحيل، تلك اللحظات القصيرة كافية للشعور بأن الحياة التي نعيشها قصيرة، وأن الموت القادم بين ظلال القنابل المميتة التي تتساقط على رؤوسنا كانت تشعرنا بأن حياتنا لا قيمة لها، وأن الموت هو ملعبنا، وأن الأحلام التي تراودنا ونحن ذاهبون إلى المدرسة لن تتحقق، وأن حقوق الطفل وحقوق الإنسان التي كان العالم يتغنى بها لن تضمن لنبض قلوبنا أن يستمر، ورغم حياة الرعب والخوف والصراخ والألم، كنا ننتظر اللحظة حتى نريح فيها أجسادنا وقلوبنا، ونوقف ذلك النبض الذي طالما كان يرتعد مع هدير الطائرات، لقد حان له أن يستريح.
سيستريح بعد أن تتمزق أجسادنا وتتشتت الأشلاء المتقطعة، لينظر إليها ذلك الطاغية الذي يسود هذا العالم، والذي طالما تغنى بحقوق الإنسان، فأصبح لا حقوق لنا إلا الموت…
…يتوقف النبض لأنه لم يجد في تلك الأشلاء مساحة تستوعب تلك الدماء التي تفجرت في السماء، وانسكبت على الأرض لتغذي أرواحاً قد تولد يوماً لتشرق على ذلك الظلام الذي يغطي العالم، الذي لم يسعفنا بحق أن نعيش طفولتنا، لم يسمح حتى لصرخاتنا أن تهز تلك الضمائر المتحجرة، لم يسمح لأنفاسنا أن تُشعر الآخرين بحرارة رحيلنا… كأن قلوبنا تصرخ في صمت، كأن أجسادنا تحتضر في ظلام، كأن أرواحنا تطير في نور. ما بال هذا العالم الصامت؟
لا حزن يمزق قلوبنا على فراقنا هذه الأرض، بل ما يمزقنا هو هذا الصمت العربي والتسليم العالمي لوحشية الصهاينة التي لا تشبع ضمائرها من نهش الأطفال وقتل النساء ونشر الخراب، بربرية في الحرب، هائجة في الصراعات، عمياء عن إدراك الحقيقة، غوغائية في الحديث، همجية في الحرب، لا تليق بها إلا شهوة الدم والقتل والدمار.
كنا نظن أننا نحيا في عالم يسوده التسامح والسلام والديمقراطية، والحياة الكريمة للطفولة، والأمن الذي طالما دعت إليه المؤسسات الدولية بالحفاظ على حقوق الإنسان وحرية الشعوب وعزة الأمم، كل ذلك انهار أمام غطرسة الصهاينة، الذين لا يحترمون القانون ولا يخشون العقاب، ويستغلون الدعم والحماية التي يتلقونها من بعض الدول الكبرى، التي تتستر على جرائمهم وتبرر عدوانهم.
أصبحنا نشهد يومياً مشاهد مروعة: قصف وقتل وتدمير، استهدافٌ للمدنيين والأبرياء، من أطفال ونساء وشيوخ، دون رحمة أو شفقة، بل بحقد وظلم وجبروت. فأضحت أرضنا تغلي بالدماء، وسماؤنا تحترق بالنيران، وبيوتنا تهدم بالصواريخ، وأحلامنا تتبخر بالدخان. فأي حياة هذه التي نعيشها؟ وأي عالم هذا الذي نسكنه؟
لكن رغم كل هذا، لم نفقد الأمل، ولم نستسلم لليأس، بل زادت إرادتنا في المقاومة والصمود، وزادت رغبتنا في الوحدة والتكاتف، وزاد إيماننا بالله والثورة. فلا يزال هناك شرفاء وأبطال في هذا العالم لا يقبلون بالظلم أو الإذلال، ولا يسكتون أمام الشر أو الجور، بل يشمرون عن سواعدهم في الدفاع عن المظلومين والمقهورين تحت آلة الحرب الصهيونية. فهؤلاء هم أصحاب الكرامة والعزة، يجعلون من حياتهم سلاحاً للحرية، ومن أرواحهم شعلاً للكرامة.
غزة مدينة الحب والحرب، مدينة الطفولة والشهادة، مدينة الحياة والموت، مدينة النور والظلام، مدينة السلام والرعب، مدينة الخير والشر، مدينة الأمل واليأس، مدينة البقاء والرحيل، مدينة الصمود والدمار، مدينة السجن والحرية، مدينة القتل والنصر، مدينة العذاب والصبر، مدينة الحياة….
مدينتي! إن أرواحنا التي تغادرك تترك لك جزء من دمائها؛ لتروي أرض الأحرار وتوقظ الضمائر التي نامت على جراحاتنا، فربما عندما تباد تلك المدينة يستفيق هذا العالم على جريمته، ويدرك أننا كنا هنا نلعب بين الحجارة والدماء، بين التراب والجثث، بين الجدران والقذائف، كنا هنا وسوف نبقى هنا، ندعوكم أن تمنحوا الأطفال الطفولة.