كتاب عن حضور الرواية الأردنية في المشهد الثقافي العربي

عمّان في 23 سبتمبر /العُمانية/ يضم كتاب “الرواية الأردنية في المشهد الثقافي العربي” (2024)، أعمال ملتقى السرد الأردني الأول الذي عقدته مؤسسة عبد الحميد شومان، وركز على الانبثاقة الأولى للرواية الأردنية وتطورها ونضجها ضمن السياق التاريخي والفني للرواية العربية.

ورأى د.زياد الزعبي في تقديمه للكتاب أن الرواية الأردنية تشكلت – وما تزال – في إطار جغرافي مثقل بحدث مستمر الحضور، ولكنها غير محصورة فيه، وهذه الخصوصية الجغرافية السياسية أتاحت لطيف واسع من الكتاب والروائيين الأردنيين أن يمثلوا ظاهرة ذات خصائص مميزة تمثل بكتّابها ونصوصها وأماكن نشرها بنيةً مركبة تعبّر عن حال التداخل الجغرافي والسكاني المنطقي العميق.

وقال: إن الرواية الأردنية ارتبطت موضوعيّاً بالقضية الفلسطينية، موضحاً: “لعل الإرهاصات الأولى في السرد الذي تعود جذوره إلى العشرينات من القرن الماضي في كتابات مصطفى وهبي التل (عرار)، التي نشرها في جريدة الكرمل الحيفاوية والكتابات السردية لصاحب الجريدة نفسه نجيب نصار تمثل نماذج تبين عن فكرة الانبثاقات الأولى المتماثلة التي شكلتها الأحداث الكبرى بعد الحرب العالمية الأولى، والتي أنشأت جغرافيا سياسية جديدة متجاوزة ومتجاهلة العمق الثقافي التاريخي الواحد”.

وجاءت النصوص التي ضمها الكتاب في محورين رئيسين، الأول عني بالرواية الأردنية وحضورها في المشهد الروائي العربي نشراً ونقداً وشهادات، بينما خصص المحور الثاني للاحتفاء بالروائي الراحل إلياس فركوح وتسليط الضوء على أعماله.

افتتح الكتاب بدراسة للدكتور زياد أبو لبن قدم فيها تصوراً ببليوغرافيّاً استقرائيًّا لأماكن نشر الرواية في الأردن وفلسطين والوطن العربي في مدى زمني ممتد منذ بدايات القرن الماضي حتى بدايات القرن الحالي. وتتبع أبو لبن مجموعة من الندوات واللقاءات الخاصة بالرواية الأردنية وحضورها في المشهد الثقافي العربي، ووثق عناصرها المختلفة سواء ما تعلق بموضوعاتها أو بالمشاركين فيها.

وقدم محمد سلام جميعان دراسة بعنوان “الرواية الأردنية: تفاعلاتها وإشكالاتها”، قرأ فيها حضور الرواية الأردنية عربيّاً في مرحلة مبكرة، ثم جاوز ذلك إلى رؤيتها في حقب تالية، واقفاً على أهمية الرواية النسوية وموقعها على النشر داخل الأردن وخارجه.

من جانبه، قدم ليث الرواجفة عرضاً لرسائل الماجستير والدكتوراة التي درست الرواية الأردنية خلال الفترة 2000-2023، مبيناً أن كثيراً منها درس الروايات من مداخل نقدية متعددة، مشيراً إلى ظاهرة تركيز تلك الدراسات على المناهج النسقية التي لم تقدم جديداً، ودورانها في أفكار وصور مكررة، وعدم ذهابها إلى قراءات “تنهض على مناهج ونظريات نقدية تخلّصها من أسر الدوائر النسقية المغلقة التي نمّطتها على نحو غيبت معه المداخل التي توظف الدراسات الثقافية، والأدب المقارن، ونظريات التلقي”.

وأشارت د.مريم جبر في دراستها “الرواية والنقد الأكاديمي في الأردن”، إلى ظاهرة العدد الكبير من الروايات التي تنشر، وهي ظاهرة تثير التساؤل حول مستوى تلك الروايات وحول انتماء الكثير منها لهذا الفن السردي، ثم وقفت على توصيف الرسائل الأكاديمية التي عالجت الرواية، موضحة أن الكم الهائل من الرسائل الجامعية بات غثه أكثر من سمينه، وهو حشو من الأقوال والأفكار.

أما د.شهلا العجيلي، فقدمت قراءة للعناصر المتعددة للجائزة من الفائز إلى اللجنة والنص، وعملت على تفكيك تلك العناصر وبيان فاعليتها وتأثيرها في عملية الإبداع، مشيرة إلى فكرة “قلق البحث عن مكانة”، وهو قلق يسكن المبدع الساعي إلى تحصيل الاعتراف به وبمنجزه، وهذه ظاهرة تحفها الكثير من الإشكالات التي تطال اللجنة التي قد تمنح الجائزة استناداً إلى سلسلة من المعطيات التي ربما تكون مواقف الكاتب الفكرية والسياسية على رأسها، ما يدفع إلى رؤية ضحلة تمنح الجائزة لنص ضحل، كما تترك أثرها البالغ أحياناً على كتّاب يمعنون في التهافت على التقدم للجوائز.

وفي سياق متصل، قدم د.عماد الضمور دراسة توثيقية تتعلق بحصول ثلة من كتاب الرواية الأردنية على عدد وافر من الجوائز العربية، وهي تمثل طيفاً واسعاً من الموضوعات والبنى الفنية.

وقدم سعد العتيبي قراءة في تجربة جلال برجس حملت عنوان “الرواية الأردنية من المحلية إلى العالمية”، وقف فيها على تجربة روائية أردنية تمتلك حضوراً مميزاً، ومكرسة بجائزة البوكر التي حصل عليها برجس عن روايته “دفاتر الوراق”، لتقدم رؤية حول تجاوز الرواية الأردنية حدودها الإقليمية، وتدور أحداث هذه الرواية بشكل أساسي في مدينة عمّان التي شهدت تحولات كبرى في بنيتها السكانية والعمرانية تركت آثاراً عميقة على البشر وطبائعهم.

واحتفاءً بتجربة الراحل إلياس فركوح، روائيًّا وقاصًّا ومترجمًا؛ قدم د.محمد عبيدالله بحثاً حول “رواية إلياس فركوح: الإقامة في أرض اليمبوس؛ صور من تقاطعات السرد وسيرة الهوية”، وتضمن معلومات عن حياة فركوح الأسرية وردت في ثنايا الرواية؛ ما قاد عبيدالله إلى وصفها بأنها أقرب ما تكون إلى سيرة روائية بسبب التطابق الملحوظ بين الشخصية الرئيسية في الرواية وشخصية الكاتب.

أما فخري صالح فركز على فن القصة عند فركوح موضحاً الخيارات الأسلوبية في بنائها، كما يبرز تركيز الكاتب على تحليل أعماق الشخصيات، وذهب صالح إلى أن فركوح أحد ممثلي كتابة الأعماق في السرد العربي الحديث، وأن بعض قصصه تظهر تقاطعاً واضحاً بين شخصية الكاتب وشخصيات قصصه.

وجاء بحث وليد السويكي بعنوان “الترجمة في تجربة إلياس فركوح”، وأوضح فيه أن فكرة المحورية عند فركوح تمثلت في إدراكه أن الترجمة تمثل إثراء للذات عبر معرفة الآخر التي تتبدى من خلال المنجز الثقافي، وما دفع فركوح إلى ترجمة نصوص قصصية وحوارات مع الأدباء، إضافة إلى تعريفه بأبرز الكاتبات الغربيات، وقد حقق رؤيته في تأثير الترجمة من خلال نشر العديد من هذه الأعمال في دار النشر الخاصة به، ومن خلال عمله في الصحافة التي حرص أن ينشر فيها العديد من أعماله المترجمة.

الدراسة الأخيرة التي ضمها الكتاب كانت لهيفاء أبو النادي، وحملت عنوان “الاستثنائي في مقالات إلياس فركوح: تأمل الذات لاستكشاف العالم”، قالت فيها إن فركوح كُرِّس للمقالة التي رأى فيها عنصراً يعمل على اتساق الذات، وهو ما جسده في سلسلة من المقالات التي نشرها، وقد ماثلت هذه المقالات موضوعاً رئيسًا في إنتاجه الأدبي القصصي والروائي والمقالي الذي شكل مدونة تأمل فيها ذاته ومجتمعه.

إلى جانب ذلك، اشتمل الكتاب على شهادات إبداعية لقاسم توفيق وجلال برجس وهزاع البراري، وجاءت في باب السرد الذاتي الذي دار في لغة الأنا وانبثق عنها، كاشفاً العوالم الجوانية لفعل الإبداع.

مزنة السعيدية

محرر صحفي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *