بتكليف سامٍ .. وزيرُ الأوقاف يترأس وفد سلطنة عُمان في “اللقاء الدولي للسلام” بباريس

باريس في 23 سبتمبر /العُمانية/ بناء على التكليف السّامي لحضرةِ صاحبِ الجلالةِ السُّلطان هيثم بن طارق المعظم /حفظهُ اللهُ ورعاهُ/ ترأس معالي الدكتور محمد بن سعيد المعمري وزيرُ الأوقاف والشؤون الدينية وفد سلطنة عُمان في أعمال “اللقاء الدولي من أجل السلام” تحت شعار “تصور السلام” الذي بدأ أمس في باريس ويستمر إلى غدٍ.

ونقل معاليه خلال الاجتماع تحيّاتِ حضرةِ صاحبِ الجلالةِ السُّلطان هيثم بن طارق المعظم /حفظهُ اللهُ ورعاهُ/ وتمنياته الصادقة أن يُكلّل هذا الاجتماع وأعماله بالتوفيق والنجاح.

وقال معاليه إنّ سلطنة عُمان أولت اهتمامًا صادقًا بالسلام، فجاء في النظام الأساسي للدولة أنّ “السلام هدف الدولة”، وكانت وما زالت ملتزمة برؤية عالمية تدعم تحقيق هذا الهدف، وداعية إليه الجميع في مختلف المحافل وعلى مختلف المستويات.

وأضاف معاليه: لقد أدركنا في سلطنة عُمان بفضل المرونة والحكمة المتوارثة والضاربة في جذور التاريخ، القيمة العميقة لأهمية الروابط الإنسانية، وتبادل المعرفة والخبرات، فعملنا على تعزيز روح الصداقة والتفاهم والاحترام والتعايش مع الجميع، منطلقين من فهمنا بأننا لسنا وحدنا في هذا العالم، وأننا لسنا بمعزل عنه، وأنّ الأهداف الإنسانية والمصير المشترك يتطلب منا التفاعل مع غيرنا ومن حولنا بمبادئ الإحسان والسلام.

وذكر معاليه أنه التزامًا بهذا النهج الإنساني، فقد أكّد حضرةُ صاحبِ الجلالةِ السُّلطان هيثم بن طارق المعظم، /حفظهُ اللهُ ورعاهُ/، على أنّ سلطنة عُمان ستظل منارة للعلاقات الإنسانية وللسلام فقال: “لقد عرف العالم عُمان عبر تاريخها العريق والمشرف كيانًا حضاريًّا فاعلًا ومؤثرًا في نماء المنطقة وازدهارها واستتباب الأمن والسلام فيها، تتناوب الأجيال على إعلاء رايتها وتحرص على أن تظل رسالة عُمان للسلام تجوب العالم حاملة إرثًا عظيمًا ورايات سامية، تبني ولا تهدم، تقرب ولا تبعد، وهذا ما سنحرص على استمراره”.

ولفت معاليه إلى أنه وتأكيدًا على هذه المبادئ، أطلقنا في سلطنة عُمان، وضمن جهود وزارة الأوقاف والشؤون الدينية، مجموعة مشروعات تهدف إلى تعزيز الحوار بين الأديان والثقافات، وتعزيز قيم التسامح والتفاهم والتعايش، ولفت النظر إلى أبرز القضايا والتحدّيات المجتمعية والدولية، من اضطراب المفاهيم القيمية، ومشكلات الفقر، وحقوق الإنسان إلى ضحايا الصراعات والنزاعات والحروب؛ إدراكًا منا أنّ هذه القضايا ليست منفصلة، ولكنها عناصر مترابطة ومتداخلة لنهج شامل للسلام.

وأشار معاليه إلى أنّ من بين هذه المشروعات، مشروع (المؤتلف الإنساني) الذي يحمل شعار “نحو قيم إنسانية مشتركة” وأُطلق في العام ٢٠١٩م. ويقوم على ثلاثة مرتكزات: هي العقل والعدل والأخلاق، ويقترح من خلاله منهج عمل يُقدَّم للعالم ليُعينه على النهوض من جديد واستشراف حياة متوازنة، يعيش فيها الناس على أساس من الكرامة والحقوق الأساسية والأمان النفسي.

وذكر معاليه أنّ المشروع يضع ثلاثة أبعاد ضرورية لإعادة التوازن للعالم الذي نعيشه اليوم: البعد الأول ويتمثل في تحسين حياة البشر عبر تحقيق المستوى الأساسي من الكرامة والحقوق والحفاظ على اللحمة الإنسانية من الفناء والاندثار، ويتمثل البعد الثاني في اعتماد منظومة أخلاقية عالمية تدفع بالناس قدمًا إلى توحيد التزاماتهم وجهودهم نحو حماية الإنسان والأرض وتحقيق السلام والتعايش والتفاهم، مع التأكيد على أنّ الاختلافات الدينية والثقافية والإيديولوجية لا تمنع، وليست عائقًا، عن الإيمان بوجودنا ضمن أرضية وقيم مشتركة. أما البعد الثالث فيتمثل في رعاية القيم الروحية للإنسان عبر استنهاضها مع إعمال العقل والمنطق والفلسفة وعلم الكلام.

وبيّن معاليه أنّ المشروع يركز على ثلاثة موجّهات أساسية متعلقة بالسلوك البشري الفردي وتتمثل في تعزيز ثقافة السلام والتفاهم واحترام الحياة وتقديرها، وطمأنة الناس بالحفاظ على هوياتهم وحياتهم الخاصة، وتعميق قيم الشراكة المجتمعية والقيم الاجتماعية.

ووضّح معاليه أنّ موجهات المشروع تبتعد عن التصنيفات والاختلافات الطبيعية بين البشر كالدين واللغة والثقافة والهوية، وتركز على فطرة الإنسان السوية دون النظر إلى أي اعتبار آخر، لتكون بؤرة التركيز على المؤتلف الإنساني والمشتركات والقيم الإنسانية المشتركة، ولا يقصد المشروع إلغاء تلك الاختلافات أو ذوبانها في نمط واحد، بل يسعى نحو تحقيق التكامل بينها في ظل التنوع الإنساني والوصول إلى العلاقات المتوازنة والقائمة على المصالح المشتركة مع الاحترام المتبادل والتقدير للقيم والثوابت التي يؤمن بها أصحابها.

وأشار معاليه إلى أنّ من بين المشروعات، مشروع (رسالة السلام من سلطنة عُمان)، الذي أُطلق في عام ٢٠١٠م، للحدّ من خطابات الكراهية ومجابهة الصور النمطية عن الثقافات والأديان، مع التركيز على وسطية الإسلام وسماحته، مُبينًا أنّ المشروع يقوم على تعزيز الحوار البنّاء بين مختلف الأديان والطوائف في العالم مع التركيز على تجربة سلطنة عُمان في التسامح الديني والتفاهم المشترك والتعايش السلمي.

وبيّن معاليه إلى أنّ المشروع لاقى فور إطلاقه ترحيبًا دوليًّا وأمميًّا واسعًا، وبنهاية العام الماضي، كان مجموع ما أقامه المعرض من محطات حول العالم 140 محطة دولية، تمّ خلالها عقد مؤتمرات واجتماعات وبرامج مجتمعية متنوعة، وكلها تصب في قالب المؤتلف الإنساني وتآلف المجتمعات، وبسط مظلة الوئام والسلام، لافتًا إلى أنّ نجاح مشروعي (المؤتلف الإنساني) و (رسالة السلام) أكّد على أنّ التعاون البناء بين الشعوب والثقافات في شتى المجالات، وبالرّغم من اختلاف المفاهيم والتصورات، ممكن حتى في ظل التحدّيات الراهنة.

وقال معاليه إنّ هذا الاجتماع الدولي للسلام يأتي في وقت باتت تتأرجح فيها موازين عالمنا، منذرة بتحولات عميقة وآثار طويلة المدى؛ وإننا نشهد فترة من التاريخ بلغ فيها الصدام بين القوى التي تدفع نحو الشقاق والانقسام مع تلك التي تدعو إلى الوحدة والالتئام منعطفًا حرجًا، ويخبرنا هذا الصدام على أنّ اختياراتنا اليوم سيتردد صدى عواقبها عبر الأجيال الحاضرة والقادمة.

وأضاف معاليه أنّ المتأمل في حالة العالم اليوم يرى تناقضًا ومفارقات واضحة في مفهوم السلام، فمن ناحية، لدينا تطوُّرات تكنولوجية واسعة يرجى منها خدمة إنسان هذا العالم، وشبكات اتصالات عالمية لتقريب البشر بعضهم ببعض، ومؤسسات دولية مكرسة لبناء السلام واستدامته، ومن جهة أخرى فإنّ العالم ومجتمعاته في مواجهة أشكال جديدة وأخرى متجددة من التحدّيات.

وذكر معاليه أنّ من بين التحدّيات، الحملات السيبرانية الموجهة لزعزعة استقرار الدول والثقة في مؤسساتها وبين أبنائها من خلال الأخبار والمعلومات المضللة، والتطرُّف الأيديولوجي والفكري لا يكتفي بالخلاف النظري بل يدعو إلى الشقاق والعنف، إلى استغلال للمعاهدات والمواثيق الدولية للتدخل في شؤون المجتمعات وخصوصياتها، كلها ذات آثار تتجاوز الحدود وتتحدى المفاهيم التنظيرية والتطبيقية للاستقرار والتنمية وترسيخ ثقافة السلام.

وقال معاليه إنّه في سياق شعار هذا الاجتماع الدولي: “تصور السلام”، وعنوان هذه الجلسة، يجب أن نسأل أنفسنا: ما الذي يعنيه تصور السلام في عالم أصبحت فيه الخطوط الفاصلة بين الاضطراب والسلام غير واضحة بالنسبة للعديدين؟ كيف يمكننا كسر دائرة الحروب ووقف رحاها؛ عندما لم تعد مصادر الصراعات وأسبابها مجرد نزاعات محلية أو إقليمية، بل انقسامات دولية واسعة، تتمثل في الانقسامات الأيديولوجية والقيمية، والتدافع الاقتصادي الشرس، وغض الطرف عن الانتهاكات المستمرة لحقوق الإنسان وحقوق الشعوب والدول، تدعمها وتغذيها أدوات استقطاب إعلامية ممنهجة؟ مشيرًا معاليه إلى أنّ الإجابة تكمن في إعادة تصورنا للسلام، ليكون سلامًا شاملًا لا يتجزأ، وليس هدفًا بعيد المنال، بل عملية ديناميكية يجب رعايتها وتجديد الالتزام بها بشكل مستمر.

ولفت معاليه إلى أنّ السلام مفهوم يتطور مع تغيُّر ملامح عالمنا واحتياجاته، ويتطلب منا عملًا ممنهجًا ومستمرًا، نُعيد من خلاله تقييم منظوراتنا ورؤانا تجاه العالم وإنسانه، وطبيعة علاقاتنا بصفتنا بشرًا، واستراتيجياتنا المحلية والدولية، وإعادة تنظيمها باستمرار، مع التأكيد على أهمية تبادل المعرفة والخبرات، مواكبة للتحدّيات الجديدة، مؤكدًا على أنّ السلام يتطلب منا عملًا مخلصًا نابعًا من إنسانيتنا المشتركة، يكون شعاره الحوار الدائم، والمصالحة، والقيم الإنسانية المشتركة، والمؤتلف الإنساني الواسع.

وأفاد معاليه بأنه لا يمكننا الحديث عن السلام دون الإشارة والتأكيد على أدوار العلماء الدينيين، فأدوارهم حاسمة في تعزيز الخطاب الديني المسؤول، دفاعًا عن السلام المتجذر في المبادئ الدينية والأخلاقية: سلام يتجاوز مجرد التسامح ليحتضن القيم الأعمق المتمثلة في التعاطف والرحمة، ويتحدى التحيزات، ويرسخ لحب الخير للغير.

وذكر أنّ الإسلام أكّد على أن الإيمان الحق لا يتحقق إلا بحب الخير للغير فـ “لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه”، وهذا مبدأ ديني وأخلاقي عميق، لرؤية العالم من خلال عيون الآخرين، والاعتراف بالإنسانية المشتركة.

وبيّن معاليه أنّ السلام في الإسلام ليس مجرد غياب للصراع؛ إنه وجود العدل والعدالة، والرحمة والألفة، والتوازن والاستقرار في جميع جوانب الحياة، وهو مرتبط ارتباطًا وثيقًا بالقيم الإنسانية المشتركة، وفي مقدمتها تقرير كرامة الإنسان والاعتراف بها {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً}.

وأكّد معاليه على أنّ الكرامة لن تتحقق لإنسان هذا العصر إلا من خلال الوقوف الجادّ على أسباب الصراعات والنزاعات، وعلى رأسها الظلم والاضطهاد وانتهاك الحقوق. وفي ظل هذه المعطيات، لابدّ من الإشارة إلى أهمية العمل الدولي والتكاتف الإقليمي، والتعاون على كل المستويات لمواجهة الظلم والاضطهاد بأي شكل من الأشكال، وإحقاق العدل والعدالة، والتأكيد على حقوق الإنسان بصفتها شرطًا أساسيًّا لتحقيق السلام المستدام.

وقال معاليه إنه آن الأوان ليكون السلام واقعًا معاشًا لا حلمًا بعيد المنال؛ آن الأوان لتدرك جميع الأطراف أن تحقيق هذا الواقع يكمن في الأفعال والكلمات والاستعداد لتجاوز الانقسامات داعيًا إلى حمل التزام متجدّد بهذا المسعى الإنساني النبيل.

وأعرب معاليه في ختام كلمته أن يسهم هذا الاجتماع وأعماله ونتائجه هذا الجمع والعالم لمواصلة العمل من أجل كتابة تاريخ جديد لهذا العالم، تاريخ لا يكون فيه السلام استثناء ضمن بعض صفحاته، بل قاعدة أساسية راسخة، تستقي منها الأجيال معاني الإخاء والتآزر، والتعاضد والتعاون، تاريخ يضيء مسارات الإنسانية، نحو مستقبل أكثر إشراقًا، وأمنًا، وسلامًا.

مزنة السعيدية

محرر صحفي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *