السنوار: أيقونة النضال وشعلة التحرير في فلسطين
ترجل مهندس طوفان الأقصى، حيث ميدان المعركة يحتدم، وجهاً لوجه مع الصهاينة في معركة نضالية بوجه الاستعمار، قاتلهم في أرضه، ودافع عن كرامتها حتى لحظة استشهاده، حين رفع يديه وحمل بندقيته على صدره، شاهداً للتاريخ على أن الحرية والإرادة لا تموت، مضى إلى ربه، تاركاً لنا وصية الأحرار بأن الأرض لا تتحرر إلا بالتضحيات، وأن النصر قاب قوسين أو أدنى بإذن الله، كما قال الله تعالى في كتابه العزيز: “وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ“
إنّ الحرية التي يطلبها المقاومة في غزة ليست مجرد شعارات، بل هي دماء تنبض في عروق من يقاتلون حتى الرمق الأخير، هؤلاء الأبطال الذين يتقدمون الصفوف دون خوف، يدركون أن الكرامة تُنتزع ولا تُمنح، وأن الأرض لا تستعيد عافيتها إلا بأيدي أبنائها الأحرار، ولن تهدأ قلوبهم، ولن تتوقف بنادقهم عن النبض، حتى تتحرر الأرض ويعود الحق لأصحابه، ويندحر الظلم من كل زاوية، ويقول الله في كتابه العزيز: “وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ”، إنها معركة النصر في سبيل الله، وقد أدرك رجال المقاومة في فلسطين هذا الأمر جيداً، فهؤلاء الرجال يقفون بثبات في وجه الصهاينة في أرضهم، رغم الفارق الهائل في الإمكانيات العسكرية، فهم يذهبون حافي القدمين، وبيدهم بندقية صغيرة، ومن الجهة الأخرى يقف أكبر قوة عسكرية في العالم مدعومة بأقوى الدول، فيترجلون في الميدان دون تردد أو خوف، ويحققون الانتصار تلو الآخر، إذ يواصلون قتل المحتلين وإرغامهم على التراجع، ورغم أن البعض يظن أن هذه المواجهة غير متكافئة، إلا أن المقاومة تسير برؤية مستقبلية تحمل راية الله، مؤمنة بالشهادة في سبيل الدفاع عن كرامتهم وشرفهم وأرضهم.
وفي وسط هذه المواجهة غير المتكافئة ظاهرياً، تتجسد صورة البطولة والصمود، إن المقاومة لا تخوض هذه المعركة بعتادها فقط، بل بإيمانها الراسخ بأن الأرض لا تتحرر إلا بتضحيات الأبطال الذين آمنوا بأن الله ناصرهم، مهما كان حجم القوة التي تواجههم، فإن روح المقاومة تُلهب قلوب الأحرار في كل مكان، وتحفزهم على التمسك بأمل التحرير، متيقنين أن المستقبل يحمل لهم نصراً عظيماً، وأن الأرض ستعود لأهلها بإذن الله مهما طال الزمن، مستلهمين من قوله تعالى مساراً في تحقيق نصارهم “«يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ ۚ إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ ۚ وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَفْقَهُونَ (65) سورة الأنفال.
في خضم هذا الصراع يستشهد قائد حركة المقاومة ومهندس طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر، يوم النصر العربي ضد الصهاينة، إنه اليوم الذي أذاق فيه الفلسطينيون الصهاينة مرارة الهزيمة، يومٌ يخلد في التاريخ كعلامة بارزة على انتصار المقاومة على اليهود، في هذا اليوم يقف السنوار رجل المقاومة والحرية وأيقونة النضال الفلسطيني، ليقدم روحه شهيداً وهو يحمل بندقيته، برسالته للعالم يُعلن أن الجهاد ضد الصهاينة مستمر على الأرض، وأن أبناء فلسطين جميعهم مشاركون في هذه الحرب دون استثناء، ومن يظن أن المقاومة تحتمي في الأنفاق تحت الأرض فهو مخطئ، إذ إن الرجال الأحرار يواجهون الحرب في ساحة المعركة بصدورهم العارية، وينالون الشهادة التي يتطلعون إليها، وما أعظم من شهادة تكتب بدماء الشرفاء الذين يقاتلون من أجل أرضهم.
تتجلى البطولة في أسمى معانيها حينما يتحقق النصر رغم استشهاد القادة، فالتضحيات لا تُضعف المقاومة، بل تزيدها قوة وثباتًا. إن دماء الشهداء تشكل مسار التحرير وتبعث الأمل في نفوس الأحرار، مؤكدين أن النضال من أجل الأرض والكرامة لا ينتهي، مهما كان بطش العدو، فإرادة الشعب الفلسطيني لا تُقهر، فالصراع ليس مجرد معركة أسلحة بل هو معركة كرامة وعزة، يواجه فيها المقاومون العدو بثبات وإيمان بقضيتهم العادلة، حاملين رسالة الحرية إلى العالم، وكما في التاريخ الإسلامي دروس وعبر، نجد مثالاً حيًا من غزوة مؤتة، حينما اشتد القتال واستشهد القادة الثلاثة الذين عينهم رسول الله ﷺ. استلم الراية بعدهم خالد بن الوليد، وقدم نموذجًا رائعًا للقيادة العسكرية التي تستمر رغم فقدان القادة، ليحقق الجيش النصر بفضل عظمة القادة وروح المقاومة. عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم نعى (أخبر بقتل) زيداً وجعفراً وابن رواحة للناس، قبل أن يأتيهم خبرهم، فقال: أخذ الراية زيْد فأصيب، ثم أخذ جَعْفر فأصيب، ثم أخذ ابْنُ رواحة فأصيب ـ وعيناه تذرفان ـ حتى أخذ الراية سيف من سيوف الله، حتى فتح الله عليهم(رواه البخاري.)
يرحل البطل يحيى السنوار وهو يجسد رمزية المقاومة والنضال، رمزية النصر الممتد عبر التاريخ في سبيل الحرية والكرامة، رجل مثله لا تليق به إلا النهايات العظيمة، تلك التي طالما سعى إليها، أراد أن يموت في ساحة المعركة، مدافعاً عن أرضه ضد الصهاينة، وليس على فراش الراحة، استشهد وهو يحمل بندقية النصر، وفي استشهاده يبقى خالداً في ذاكرة شرفاء العالم، رمزاً للنصر والمقاومة التي لا تعرف الانكسار، كان السنوار مثالاً للحرية والشجاعة، وقاد شعبه في أصعب الظروف، حتى لحظة رحيله التي ترسخ اسمه في سجل العظماء. ستظل أرض فلسطين رمزاً للحرية والعزيمة، وساحة للنضال المستمر من أجل التحرير من الاحتلال الصهيوني. هذه الأرض ليست مجرد موقع جغرافي، بل هي جزء من الهوية والكرامة التي يعيشها أهلها. فلسطين تمثل الحياة بكل تفاصيلها، وكل شبر فيها يحمل قدسية مصونة بتضحيات الأبطال. لن تندثر المقاومة، وسيستمر الصراع حتى استعادة آخر ذرة من ترابها الطاهر. اليوم، الجميع يقف في معركة الثبات والنصر، متوحدين بالعزيمة والإيمان، واثقين أن الاحتلال إلى زوال، وأن فلسطين ستظل حرة كما كانت دائماً في قلوب أهلها والأحرار في العالم. وبإذن الله قد بدأت نهاية الظلم الصهيوني، كما يؤكد قول الله تعالى “وَقَضَيْنَا إِلَىَ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنّ فِي الأرْضِ مَرّتَيْنِ وَلَتَعْلُنّ عُلُوّاً كَبِيراً فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَاداً لّنَا أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُواْ خِلاَلَ الدّيَارِ وَكَانَ وَعْداً مّفْعُولاً ثُمّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لأنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الآخرة لِيَسُوءُواْ وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُواْ الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوّلَ مَرّةٍ وَلِيُتَبّرُواْ مَا عَلَوْاْ تَتْبِيراً [سورة الإسراء