الهوية الوطنية: دعامة الاستقرار والانتماء في ظل العولمة والتغيرات المجتمعية

يُعد مفهوم الهوية الوطنية أحد المفاهيم التي برزت في علم النفس الاجتماعي، حيث كان العالم إريك إريكسون من أوائل من تناولوا هذا المفهوم نظرًا لكونه عالمًا معاصرًا وشخصية علمية رائدة. وقد اكتسب هذا المفهوم انتشارًا واسعًا واهتمامًا دوليًّا في العديد من المحافل؛ إذ يعمق الارتباط بين الأفراد وأوطانهم، ويعزز الشعور بالاستقلالية والانتماء المكاني الذي يجسد معنى الوطن، وفي ظل التقدم التكنولوجي والانفتاح العالمي السريع أصبحت معالم الحياة تتغير بوضوح؛ حيث أضحت العولمة تمكن الإنسان من التنقل بين أرجاء العالم في لحظات معدودة.
والهوية الوطنية هي مجموعة من الخصائص والصفات التي يتميز بها مجتمع ما، وتظهر وتتبلور تلك الصفات في روح الحب والانتماء للأرض والوطن. (الطيار، 2020، 85).
ويمكن تعريف الهوية الوطنية أيضًا بأنها مجموعة السمات والصفات المجتمعية الفريدة التي تميز كل أمة عن غيرها، مما يدفع أفرادها إلى تجسيد روح الانتماء عبر أفعالهم وأقوالهم التي تعكس تلك السمات والخصائص. ومن خلال هذه الهوية، تتقدم الأمم وتزدهر حضاراتها، فبوجودها تزداد قوة واستقرارًا، أما في غيابها، فإن الأمم تفقد هيبتها وكل ما يمنحها حضورًا وتأثيرًا على الساحة العالمية.
والانتماء للوطن سلوك معبر عن امتثال الأشخاص للقيم الوطنية السائدة في المجتمع الذي يعيشون على أرضه، كالاعتزاز بالرموز الوطنية والالتزام بالقوانين والأنظمة السائدة، والمحافظة على ثروات الوطن وممتلكاته وتشجيع المنتجات الوطنية، والاستعداد للتضحية دفاعا عن الوطن. (عواشيرية ، 2015).
لذا فإن تعزيز الهوية الوطنية يضمن استمرارية الأمم، فحب الوطن، وطاعة ولاة الأمر، وتكاتف أبناء الوطن هو الصخرة التي تتحطم عليها المؤثرات الخارجية. (الحربي، 2020).
ولابد لكل هوية وطنية من توافر عناصر جاذبة ذات متانة تساعدها على بزوغها وظهورها وإن اختلفت من أمة إلى أمة أخرى ومنها الموقع الجغرافي؛ فكل أصحاب هوية معينة يشتركون في حيز جغرافي معين يجمعهم ويضمهم معًا، مرتبطين بتاريخ موحد مشترك متناقل عبر التسلسل العائلي فيما بينهم، حيث وجود الآباء والأجداد وأجداد الأجداد جميعهم يعيشون بعمق تاريخ واحد يربطهم بصورة جماعية على الأرض التي يعيشون عليها وينتمون لها.
ويعد المجال الاقتصادي من العناصر التي تسهم بصورة كبيرة في توحد أصحاب الهوية الواحدة وذلك بسبب ارتباطهم باقتصاد موحد، وكذلك بما يعرف بنظام مالي موحد، متعارف عليه من قبل جميع المنتمين للأمة ذاتها كنظام العملات والتسعيرات الذي يغطي كمثال معظم السلع الاستهلاكية بصورة موحدة.
ويعتبر العلم رمزًا وطنيًّا يمثل هوية كل أمة، حيث يجتمع جميع أفراد تلك الأمة حول هذا الرمز المعنوي الذي يعكس عمق القيم الوطنية ويعزز روح الانتماء في قلوب أبناء الوطن، وإلى جانب هذا الرمز تأتي الحقوق المشتركة كعناصر أساسية يجب أن يتمتع بها جميع المواطنين، مثل حق التعليم، وحق العيش الكريم، وحق الملكية، وحق العمل، وغيرها من الحقوق التي تساهم في تعزيز الهوية الوطنية بين أفراد المجتمع.
وكما توجد حقوق مشتركة، هناك أيضًا واجبات يجب على الأفراد الالتزام بها، سواء كانت فردية أو جماعية، فالواجبات الفردية تتضمن ما يؤديه الموظف من مهام ومسؤوليات في بيئة عمله، أما الواجبات الجماعية فتشمل ما يجب على المؤسسات القيام به تجاه أفراد الأمة، وفق أساليب واضحة ومحددة تساهم في تحقيق الأهداف الوطنية، وتطلب هذه المؤسسات تجسيد روح الإبداع والابتكار من خلال العمل الجماعي، وبقيادة فعّالة ترتبط بالقيادة الإدارية بشكل وثيق، بهدف خدمة الوطن والمواطن، وتعزيز الهوية الوطنية.
وللمناهج الدراسية دور كبير في المساهمة الحقيقة لتمكين الهوية الوطنية في نفوس وعقول أبناء الأمة، ويعد تدريس مناهج كالتاريخ وهذا وطني من أكثر المناهج الدراسية فاعلية في بناء مستقبل الأمم، فمن خلالهما يتم الوعي الحقيقي بأهمية تاريخ الوطن ومما يسهم في اكتمال الثقافة الوطنية، وتبرز الشخصية الوطنية وتتبلور الرؤية المستقبلية، ويحدث التكامل بين الماضي والحاضر والمستقبل. (الحربي، 2022).
وللهوية الوطنية أهمية كبيرة تظهر من خلال ترسيخ دعم الاستقرار بين أبناء المجتمع والوطن ككل، عن طريق جمع جميع الفئات المتنوعة في العرق والدين واللغة وربطها معًا بطريقة موحدة فيما بينهم تحت مظلة أنظمة وقوانين تتيع أمة واحدة باسم الوطن.
الأمر الذي يزيد من قوة التلاحم، وجمال التعايش بين أفراد الهوية الواحدة، بغض النظر عن الفروقات الفردية فيما بينهم إلا أن لواء الاستقرار هو ضمان قوة الهوية الوطنية لجميع الأفراد، فلنحافظ على هويتنا الوطنية لنضمن التقدم والرقي والاستمرار.
المراجع:
الحربي، عبدالرحيم نويجع. (2022). دور مناهج التاريخ في تعزيز أبعاد الهوية الوطنية لدى طلاب التعليم الثانوي نظام المقررات بالمملكة العربية السعودية، مجلة البحث في التربية وعلم النفس، 37(4).
الطيار، مهند سعود. ( 2020 فبراير2 ـ11). دور الجامعات السعودية في تعزيز الهوية الوطنية، جامعة الملك سعود أنموذجاً (عرض ورقة عمل). المؤتمر الدولي للهوية الوطنية في ضوء رؤية المملكة العربية السعودية 2030، جامعة شقراء، شقراء، المملكة العربية السعودية.
عواشيرية، السعيد سليمان.(2015).الأسرة وأثرها في تعزيز الانتماء الوطني ، دراسة ميدانية بولاية باتنة بالجزائر . جامعة نايف للعلوم الأمنية، المملكة العربية السعودية.