حماية الطفولة من العنف: مسؤولية جماعية لبناء أجيال قادرة على الإبداع والتغيير

تُعد الطفولة من أكثر المراحل العمرية أهمية في حياة الإنسان، إذ تمثل فترة التفتح والنمو، حيث تُزرع الأسس الأولى لشخصيته وتتبلور ملامحه الفكرية والنفسية والاجتماعية. كما أنها مرحلة الاكتشاف والتعلم والانخراط في المجتمع، مما يجعلها من أكثر الفترات حساسية وتأثيرًا في مسيرة الإنسان. فخلال هذه المرحلة، يتشكل الوعي، وتنمو المدارك، وتُبنى المبادئ والقيم التي ترافق الطفل في حياته المستقبلية. ولهذا السبب، تتطلب الطفولة رعاية واهتمامًا خاصًا لضمان توفير بيئة آمنة وداعمة تساعد الطفل على مواجهة التحديات التي قد تعترض طريقه، والتي قد تترك آثارًا سلبية على تكوينه النفسي والسلوكي في المستقبل. ومن بين هذه التحديات، يُعد العنف بأشكاله المختلفة من أخطر ما قد يواجهه الطفل، لما له من تأثير عميق على نموه العاطفي والاجتماعي وقدرته على التكيف مع مجتمعه.
لا شك أن الأطفال هم الفئة الأكثر عرضة للعنف داخل المجتمع، وهذا الأمر يثير القلق والأسى، إذ يُفترض أن يكونوا في هذه المرحلة موضع رعاية واهتمام، لا ضحايا لانتهاكات تهدد سلامتهم الجسدية والنفسية. فالأطفال هم أمل المستقبل، وهم الركيزة الأساسية لنهضة المجتمعات وتطورها، ونجاح الأمم مرهون بمدى قدرتها على تربية أجيالها وتنشئتهم على أسس سليمة تضمن لهم التوازن الفكري والجسدي والعاطفي. ومن هنا، فإن حماية الأطفال من العنف، وضمان نشأتهم في بيئة تحترم حقوقهم وتلبي احتياجاتهم، مسؤولية جماعية لا يمكن التغافل عنها. فالحد من هذه الظاهرة يتطلب تكاتف الجهود بين الأسر، والمؤسسات التربوية، والمجتمع بأسره، لضمان تنشئة جيل يتمتع بالثقة والقدرة على الإبداع والمساهمة الإيجابية في بناء مستقبله ومستقبل وطنه.
إن التصدي للعنف الذي يتعرض له الأطفال لا يقتصر فقط على توفير بيئة آمنة لهم، بل يتطلب أيضًا العمل على تعزيز وعي المجتمع بأهمية التربية السليمة المبنية على الحوار والتفاهم بدلاً من القمع والعنف. فالأسرة، بوصفها الحاضنة الأولى للطفل، تلعب دورًا محوريًا في غرس قيم الاحترام والتسامح، وتوفير أجواء يسودها الحب والأمان، مما يسهم في بناء شخصية متوازنة قادرة على مواجهة تحديات الحياة بثقة. كما أن المؤسسات التعليمية لها مسؤولية كبيرة في تقديم الدعم النفسي والاجتماعي للأطفال، إلى جانب توفير بيئة تعليمية تُشجع على الإبداع والتعبير الحر، وتغرس فيهم مبادئ العدالة والمساواة. ومن هذا المنطلق، فإن التوعية بأهمية حماية حقوق الطفل وتعزيز ثقافة اللاعنف يجب أن تكون جزءًا من السياسات التربوية والاجتماعية، فالمجتمع الذي يحترم طفولته، ويؤمن بقدرتها على الإبداع والتغيير، هو مجتمع يمضي بثبات نحو مستقبل أكثر ازدهارًا وعدالة.
إن العنف يتخذ أشكالًا متعددة وقد يُمارس بطرق مختلفة، سواء كان عنفًا ماديًا أو معنويًا، لكنه في جميع الحالات يبقى مرفوضًا بشكل قاطع. ورغم أن له تأثيرًا لحظيًا قد يؤدي إلى استجابة سريعة، إلا أنه يترك آثارًا سلبية دائمة في نفسية الطفل. مع مرور الوقت، تبدأ هذه الآثار بالظهور تدريجيًا، ويظهر تأثيرها على شخصيته بشكل ملحوظ، حيث قد يتطور لديه عنف مضاد، مما يجعله يميل إلى العداء والعنف تجاه الآخرين. وقد يؤدي ذلك إلى بناء شخصية ضعيفة، لا تستطيع التعبير عن رأيها أمام الآخرين، وفقًا لآراء الخبراء. كما أظهرت الدراسات أن العنف يزيد من احتمالية ظهور مشاكل نفسية وعقلية، وسلوكيات إجرامية، ويؤثر سلبًا على نمو دماغ الطفل، كما يضعف من احترامه لذاته ويجعله غير قادر على مواجهة الآخرين أو الدفاع عن نفسه. كل هذه النتائج تؤكد أن العنف يعد وسيلة مدمرة تعيق التكوين السليم لشخصية الأطفال وتؤثر على نموهم الصحي والجسدي والنفسي.
لذلك، من الضروري التفكير مليًا قبل اللجوء إلى العنف، مع الأخذ في الاعتبار العواقب السلبية التي قد تنجم عنه على المدى القريب والبعيد. وبما أن الأطفال هم مستقبل الأمم، فإننا بحاجة إلى اعتماد أفضل الأساليب لتربيتهم، لضمان نشوء جيل قادر على الإسهام في بناء المجتمعات. بدلاً من استخدام العنف، يجب البحث عن طرق أكثر فعالية وأقل ضررًا، تضمن سلامتهم الجسدية والنفسية. وفي هذا الصدد، يُعدّ المنهج النبوي الشريف مثالًا رائعًا في كيفية التعامل مع الأطفال، حيث ارتكز على قيم إنسانية وإسلامية في تربيتهم وتعليمهم، مما يجعل هذا المنهج نموذجًا يحتذى به في تربية الأجيال القادمة.