الهوية الثقافية في أدب الطفل في سلطنة عُمان.. المحفّزات والممكنات الأدبية العلمية

مسقط في 19 مارس /العُمانية/ تشكل الهوية الثقافية ركيزة أساسية لنمو الطفل معرفيًّا وإبداعيًّا من خلال العديد من المحفّزات والمكوّنات حوله، أهمّها ما يتفاعل معها بشكل يومي من خلال “البيت والمدرسة والمجتمع”، وما يستلهمه من أمور مرتبطة بالدين الإسلامي وعقيدته السمحة، وفي سلطنة عُمان هناك مؤثرات كثيرة تضاف إلى ما سبق من مكونات ومحفّزات إلى تشكل تلك الهوية، وتصل إلى جوانب معرفية مرتبطة بالثقافة العُمانية الأصيلة الضاربة في القدم، والتاريخ الإنساني المعرفي التراكمي، والعادات والتقاليد والسمت العُماني المتعارف عليه، كل ذلك يأتي من خلال سياق معرفي بصور يستوعبها الطفل لبناء هويته في واقع الأدب، فعلى سبيل المثال لا الحصر هناك الشعر والمسرح والقصة القصيرة والنشيد وغيرها من المفردات.

ويؤكد عددٌ من المختصين على ما يمكن أن يُضاف إلى الهوية الثقافية في أدب الطفل في سلطنة عُمان من خلال المحفزات والممكنات الأدبية العلمية، مع الإشارة إلى التحديات التي تواجهها الهوية في ظل التداخل المعلوماتي في الفضاءات الثقافية المفتوحة.

بدايةً يقول الدكتور عامر بن محمد العيسري، أستاذ مساعد للتربية المبكرة بجامعة السُّلطان قابوس إن أدب الطفل في سلطنة عُمان نشأ أولا في كنف أدب الكبار وامتزج به، وبدأ أول ما بدأ شفويا يعتمد على الرواية للأدب والقصص الشعبية على ألسنة الأجداد والجدات، أو في صورة أشعار تتوارثها الأجيال، مثل حكايات الغواصين ومغامرات الهجرة والسفر وحكايات الشجاعة والبطولة والألغاز والألعاب الشعبية التي كان لها دور في إثراء الأدب وتذوقه لدى الأطفال وتنشئتهم وبناء شخصيتهم، وتمثّل الاهتمام بالأطفال وأدبهم في سلطنة عُمان في مجهودات بعض الوزارات المعنية بالطفل مثل وزارة الإعلام التي قدمت برامج للأطفال في الإذاعة والتلفزيون، وفي بعض الصحف المحلية التي خصص صفحات وملاحق أسبوعية لأدب الأطفال.

وتطرق إلى تطور أدب الطفل في سلطنة عُمان والإنتاج المقدم للأطفال وما ساعد على ذلك بما فيها إقامة عدد من الندوات والفعاليات البحثية المخصصة وعلى سبيل المثال لا الحصر حلقة العمل الأولى التي أقامها النادي الثقافي في عام 1989 تحت عنوان “ندوة ثقافة الطفل”، والندوة التي أقيمت في قاعة المؤتمرات بجامعة السُّلطان قابوس خلال الفترة من 13-15 أكتوبر من عام 2008 بعنوان “ثقافة الطفل العُماني”، كما تم تخصيص ركن خاص بمعرض مسقط الدولي للكتاب لمناشط الطفل تقدم فيه باقات متنوعة من الفعاليات بهذا المجال كما تم ضمن فعاليات المعرض عقد ندوة متخصصة حول الإعلام الجديد والأطفال، وفي عام 2015 خصصت جائزة السُّلطان قابوس للأدب في دورتها الرابعة محورا مهمًّا يُعنى بالكتابة للأطفال، كما خصصت وزارة التربية والتعليم مسابقات للمعلمين بعنوان قصص داعمة للمناهج وأعلن النادي الثقافي عام2019 عن إقامته مسابقة جائزة أدب الطفل في الخيال العلمي، وأطلقت جائزة الإجادة الإعلامية للأطفال ضمن فعاليات ندوة أطفالنا والإعلام الجديد التي أقامتها وزارة الإعلام، وبرزت مسابقة عُمان تحكي التي تنفذها وزارة الثقافة والرياضة والشباب، ومسابقة الإبداع الأدبي لطلبة المدارس التي تنفذها الجمعية العُمانية للكُتّاب والأدباء بالتعاون مع وزارة التربية والتعليم.

ويضيف: من هنا يبرز وجود جهات حكومية وأهلية في سلطنة عمان تشجع على أدب الأطفال وتقيم فعاليات في هذا المجال أو تدعم نشره، وهناك جوائز فازت بها كاتبات عمانيات مثل: الدكتورة وفاء الشامسية التي حصلت على المركز الأول على مستوى الوطن العربي في سلسلة الكتب الثقافية التابعة لمكتب التربية العربي لعام 2016، وابتهاج الحارثية التي فازت بقصتها أنا وماه في جائزة اتصالات عام 2015، وعائشة الحارثية التي فازت بجائزة اتصالات في عام 2018 في فئة أفضل عمل قصصي بقصة الحنين، وكتاب “بو” الذي رُشح ضمن قائمة القصص القصيرة لجائزة “كتابي” ، وخديجة المفرجية، الفائزة بالمركز الأول في جائزة راشد بن حميد للثقافة والعلوم في أدب الأطفال عن فئة الشعر عام 2021م.

ويؤكد على أن المتتبع للخطوات الحثيثة التي تبرز من هنا وهناك في سلطنة عمان لتطوير أدب الاطفال وما يكتب لهم يلحظ وجود بعض التحديات التي توضح معالم أهم الخطوات التي ينبغي السعي لتنفيذها على أرض الواقع لتمضي مسيرة تطور أدب الطفل قدما بصورة منظمة، وعلى رأسها المخصصات المالية المحددة لمجال الطفولة، والتقنية الرقمية التي تمثل تحديا كبيرا يمكن أن تبعد شريحة واسعة من الأطفال عن الاستمرار في متابعة ما يكتب لهم، ومن أهم هذه الخطوات المهمة التي ينبغي العمل عليها، وجود استراتيجية أو رؤية أو وضوح في الأدوار والآليات، وزيادة الدراسات والنقد الهادف للإنتاج المقدم للأطفال، وتوفير المتخصصين في مجال نقد أدب الأطفال ودعمهم وتعزيزهم، وزيادة الوعي بأهمية تطوير وتجويد ما يقدم للأطفال من إنتاج أدبي، وزيادة وعي الأهالي بآليات اختيار المناسب منه لأبنائهم، وزيادة الحلقات والفعاليات والمسابقات المتخصصة في هذا المجال، وإتاحتها بشكل واسع لجميع الفئات، ووجود دعامات أساسية لإبراز الإنتاج المكتوب للأطفال مثل المجلات، والقناة الفضائية المتخصصة للأطفال، وتحويل الإنتاج القصصي المكتوب إلى قصص برامج كرتونية متحركة ووجود الكتب التفاعلية وتوظيف التكنولوجيا بها، ووجود مدونات وقنوات ومواقع إلكترونية متخصصة في أدب الأطفال، وتخصيص منابع تمويلية ثابتة لدعم الإنتاج المقدم للأطفال وتطويره وتقديم التسهيلات وتبسيط الإجراءات الإدارية فيما يتعلق بطباعة ونشر وإنتاج محتوى أدب الطفل، والابتعاد عن النظرية الربحية في الإنتاج المقدم للأطفال من خلال تقليل البهرجة في الشكل والاهتمام بالمحتوى المقدم وفائدته وتأثيره على الأطفال والاهتمام بالموروث الشعبي والثقافي واهتمامه بالعمق والصدق والخيال وموضوعات فلسفة الحياة التي تهتم بمستقبل الأطفال، وتعدّهم للمشاركة بفاعلية في المجتمع، على أن يتم توجيه كتاب الطفل إلى شرائح عمرية متعددة، يحتاج كل منها إلى اختيار ما يلائمه من موضوعات وأسلوب ومفردات لغوية، وصور وأشكال وألوان وأوعية ثقافية مختلفة، وإخراجات مشوقة وأدوات مساعدة.. مما يجعل كتاب الطفل أكثر تعقيدا عشرات المرات من كتب الكبار فيؤدي ذلك إلى إنتاج كتب متخصصة وذات جودة من ناحية (النص والصورة والتصميم والإخراج والتسويق).

وتحدثت الدكتورة وفاء بنت سالم الشامسية المختصة في أدب الطفل قائلة: علينا تحديد المحفّزات والممكنات التي نصبو إليها جميعا، في محاولة لتمكين أطفالنا منها من خلال ممارساتنا المختلفة، وطالما أنها مرتبطة بالهوية الثقافية، فالأهم أن نقف على المقصود بهوية الطفل، والهوية الثقافية.

وتوضح أن هوية الطفل تنمو نتيجة لتفاعله مع من حوله في البيت أولًا، ثم في المراحل التأسيسية التعليمية الأولى والمجتمع الأوسع،وهوية الطفل بل هوياته المختلفة التي تتعمق خلال مسار تطوره؛ فالطفل الذي راقب والديه بتعاملهما مع معطيات المزرعة مثلا أو نباتاتها ورافقهما إلى النـزهات في الجبل والوادي، فإنه سينمو لديه في البداية وبشكل غير واعٍ ميل طبيعي لهذه النـزهات وما تحتويه، وسيحاول العودة إليها كلما سنحت له الفرصة، وهذه التجارب وغيرها تبلور مفهومه لذاته ولهويته، وتنمّي علاقاته الإيجابية مع بيئته وما تحويه من مواد وأشخاص.

وأضافت إن تنمية هويّة الطفل الثقافية تكتسب أهميتها من ارتباطها بالحياة اليومية للطفل، إذ يعيش في بيئة مليئة بالمؤثرات الثقافية، ويسمع لغة ويرتبط بها، وينشأ في مكان ويشعر بالانتماء إليه، ويمارس عادات وتقاليد مختلفة فتصبح مكونًا رئيسًا من أيدولوجيته الثقافية والمعرفية، ويتفاعل مع عالمه الصغير المحيط به فتنشأ لديه خلفية معرفية وفكرية واجتماعية تتفاوت في تأثيرها من طفل لآخر.

وأكدت على أن هناك بعدًا مهمًّا في الهوية الثقافية وأهمية تنميتها لدى الطفل، إذ أنها أساسٌ لتنمية قدرته على التعامل مع الثقافات الأخرى باحترام من حيث التوافق معها أو التصالح أو التسامح، وهي محكٌّ مهمٌّ يبلور تعامله مع العالم المتغير، والتعلّم من التجارب البشرية والثقافات البشرية الواسعة، لذلك حين يترجم الكاتب الذي يكتب للطفل المحفزات والممكنات الأدبية والعلمية عليه أن يضع خارطة واضحة المعالم بها، فالهوية الثقافية عالم واسعٌ وممتدٌّ، ولا ترتبط بالعالم المادي فقط بل تتجاوزه لعوالم أخرى، والاشتغال على هذا الأمر ضرورة ملحّة لما لأدب الطفل من تأثير كبير على المتلقّي الصغير بما يقدّمه من معالجات وشخصيات يتماهى معها، ويتأثر بها، وبما يضيفه إلى موسوعته العلمية من معارف ومعلومات تظل عالقة في ذهنه لفترة زمنية طويلة مما يشكل لاحقًا تأثيرًا يظهر على قيمه ومبادئه وسلوكياته. لكن ما يحكم هذا الاشتغال هي الأدوات التي يستخدمها الكاتب، ومحدّدات الفئة العمرية التي يخاطبها؛ كي يضمن تقديم معالجة محكمة تعزز الهوية الثقافية لدى الطفل.

وتقول إن المعالجة تأتي في أشكال مختلفة، منها المكتوب، ومنها المسموع، ومنها المشَاهد، وتبقى “القصة” أكثر الأنواع المطروقة من قبل الكتّاب لمبررات كثيرة، تليها القصص المصوّرة، والمسرحيات، والأناشيد، أمّا من حيث الموضوعات المعالَجة فهي كثيرة، وتأتي القيم على رأس القائمة، ثم هناك الهوية الوطنية، والتاريخ، والدين، واللغة، في حين بقيت بعض المحاور قليلة المعالجة إن لم يكن التطرق لها نادرا كالهوية الجنسية، والجمالية.

وفي شأن التحديات تقول: التحديّات موجودة، وباتت كثيرة بسبب التداخل المعلوماتي، ولكن الأصل في التنشئة هو تمكين الطفل من هويته الثقافية الأصيلة، وتعزيز مهارات التعامل مع ما حوله بطريقة واعية يعتمد فيها على الغربلة، والتقييم، والمقارنة للوصول إلى المنطقة الآمنة، وأن الاهتمام بالجانب المعرفي فيما يتعلق بالهوية الثقافية يأخذ نصيب الأسد، بينما لا يحظى الجانبان الوجداني والمهاري بذات الاهتمام، رغم أهميتهما القصوى، فهما يؤديان دورا مهمًّا في استقطاب المحفّزات والتأثر بها، ثم ترجمتها لسلوكيات يمارسها الطفل في الوسط الذي يعيش فيه.

وتبيّن أن أدب الطفل في سلطنة عُمان قطع شوطًا كبيرًا في بلورة المحفزات مستعينا بأدواته الأدبية والعلمية، وما رأيناه وعايشناه في معرض مسقط الدولي للكتاب في نسخته الأخيرة لهو شاهدٌ على ثراء الاشتغال في مجالات الهوية الثقافية، وتقديمها بأساليب مختلفة ومتنوعة للطفل القارئ، وتأتي الموسوعة العُمانية للأطفال على رأس الهرم فيما قُدِّمَ له تمكينا لمعارفه، وتأصيلا لهويته الثقافية، وربما أشير في مجمل الحديث إلى وجود بعض الفجوات، ومن ضمنها ما نلمسه من قلة الإيمان بدور أدب الطفل في إحداث التغيير المطلوب لدى الأجيال القادمة، إضافة إلى أهمية التكامل بين كل المؤسسات والمشتغلين في أدب الطفل لصناعة المشهد الثقافي الموجّه للطفل بهويته ومعطياته المختلفة بالطريقة العلمية المناسبة، مع التأكيد على ضرورة التمكّن من أدوات الكتابة والمعالجة العميقة والصحيحة للطفل، خصوصا مع ما نراه من ضعف في بعض المعالجات والاشتغالات على مستوى النص أو الرسم أو الإخراج.

وترى الباحثة والناقدة في الأدب العُماني الدكتورة فايزة بنت محمد الغيلانية، أن أدب الطفل يعدّ جنسًا أدبيًّا خاصّا، وخاضعا لمعايير أخلاقية وقيمية، بالإضافة إلى الخصائص الفنيّة، ويمكن القول إنّ الإخلال بأيّ منهما، يخرج أي إنتاج أدبي منسوب لهذا الجنس منه، وينبغي حينها بالضرورة محاصرته، وسحبه، وتحرص المنظومة التربوية والثقافية والإعلامية في سلطنة عُمان على أن تبرز التربية الدينية الإسلامية، والثقافة العربيّة الأصيلة، والهويّة الوطنية بمكوّناتها الماديّة والمعنويّة، في كلّ ما له صلة بالطفل، من أدب مكتوب، أو مسموع، أو مرئي، وتعد هذه المقوّمات الثلاثة من أهم المحفزات في أدب الطفل في سلطنة عُمان.

وتضيف أنه من خلال الإنتاج المتزايد في أدب الطفل في سلطنة عُمان، وظهور أقلام شابّة تطرح رؤيتها لعالم الطفل من خلال هذا الإنتاج، الذي يتيح الانفتاح على الآخر مع الحفاظ على الهويّة، والتماهي مع التطوّر العلمي من حوله من خلال توظيف نماذجه المختلفة في هذا الإنتاج بوصفه جزءا من العالم الذي يحيط بالطفل، أو يحيا فيه، تبرز مهارات القرن الحادي والعشرين مثل مهارات الاتصال والتواصل، ومهارات التفكير النّاقد، وتوظيف الخيال مثل محفزات تندمج مع الصّور التقليدية، والقيم الأخلاقية المتعارف عليها، لتنتج للطفل أدبًا يربطه بمجتمعه، وبالعالم من حوله، ويتيح له في الوقت نفسه التعامل معه في جوانبه الإيجابية والسلبية بوعي، وقدرة كبيرة على حلّ المشكلات.

وتؤكد على أنه لا يمكن بأيّ حال من الأحوال في ظلّ الانفتاح المعلوماتي، وتأثير وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة، وسهولة وصول الطفل إليها؛ أن نمنع وصولها إليه، وهو ما يمثّل التحدي الأكبر، فما يمكن متابعته من الوالدين أو المنزل، يمكن للطفل أن يتابعه من خلال الحديث مع أصدقائه، أو مشاهدته أو قراءته في أيّ من الأماكن التي يرتادها الطفل. وعليه فإنّ الحديث مع الطفل، وتوعيته، ومشاركته ما يقرؤه أو يشاهده يمكن أن ينمّي وعيًا نقديًّا في شخصية الطفل، وقدرة على التعامل مع المتغيرات المتسارعة من حوله، يمكّنانه من التمييز بين الجيّد وغيره وفق المعايير التي تعززها المكوّنات والمحفّزات القيميّة، والسمات الفنيّة المقبولة في أدب الطفل التي اعتاد وجودها فيما يتابعه ويقرؤه ويشاهده.

وتوضح أن الاضطراب المؤسسي في التعامل مع عناصر الهويّة الوطنيّة يمثّل تحديا آخر، لا سيما فيما يتعلّق بالاهتمام باللغة العربية، وتعزيزها بوصفها مكوّنًا أساسيًّا في الهويّة الوطنيّة من خلال التسميات الأجنبية التي بدأت تظهر في المجتمع العُماني لبعض الأماكن التي يمكن أن يرتادها الطفل مثل (ذا فيليج) أو (داون تاون) وغيرها، مما يؤثر بشكل كبير على المدى البعيد في ترسيخ صورة الهويّة في شخصية الطفل، بين ما ينبغي له أن يكونه، وما هو من حوله من مفردات ومسمّيات، وأزياء، وممارسات بعيدة عن هويته الأصلية، ويصبح الأمر أخطر حين يأتي أدب الطفل – أحيانا – مكتوبا باللهجات العاميّة، التي لا تعين على تنمية قدرات الطفل اللغوية، وتبتعد به عن بعض الغايات التي يسهم الأدب بأنواعه المختلفة في تحقيقها، لا سيما في ظلّ ابتعاد مؤسسات أخرى كالمؤسسات التربوية من مدارس وغيرها عن تعزيز مكانة اللغة العربية في نفوس الناشئة، نظرا لغلبة الاعتماد على اللهجات في التدريس وغيره من ممارسات فيها. وهذا ما يجعل التوافق بين المؤسسات المختلفة ذات الصلة بالطفل منقطعا، وأدوارها متضاربة مما يؤثر – دون شك – في تعيين هوية ثقافيّة أصيلة، ومتينة، وواضحة في أدب الطفل.

أما الكاتب عبدالرزّاق الربيعي الذي صدرت له إصدارات شعرية ومسرحية موجهة للأطفال، فيقول في هذا السياق إن تعزيز الهوية الثقافية من أهم الواجبات الملقاة على عاتق من يكتب للطفل في سلطنة عُمان، وهذه الهوية تقوم على ركائز ثابتة، وعميقة، فسلطنة عُمان غنية بموروثاتها الثقافية التي تشكّل مصدرا مهما ومعينا لا ينضب ينهل منه المشتغلون بالكتابة للطفل، واكتسبت غنى ثقافيًّا ومعرفيًّا، بفضل تاريخها الممتد إلى عصور قديمة، وانفتاحها الثقافي الممنهج على الثقافات الأخرى وهو انفتاح نتج عنه تواصل مع الحضارات المحيطة بدأ منذ العصور القديمة، عندما ارتبطت بعلاقات تجارية مع تلك الحضارات، وكان اللبان والبخور همزة وصل بينها وبين دول قامت في وادي الرافدين والنيل والهند.

ويشير إلى ضرورة أن يعرف الطفل في سلطنة عُمان هذا التاريخ وأن يدرك سمات هذه الهوية المتأصلة ذات الجذور العميقة التي يغلب عليها الاعتدال والتسامح، والتعايش، والتعدّد، والخصوصيّة الوطنية التي تدخل في مفردات الحياة اليومية من ملبس ومأكل ومشرب، وللوصول إلى تحقيق هذا الهدف السامي لابدّ من جهد كبير يبذل على مستوى فردي ومؤسساتي، فالتحدّيات التي تواجهها الهوية في هذه المرحلة كبيرة، والانفتاح الثقافي أضرّ بالثقافة المحلية، وهذا الجهد يبدأ من البيت حيث يربّى الطفل محافظا على موروثه الثقافي والاجتماعي وانتمائه لقضايا مجتمعه، حريصا، كلّ الحرص، على العادات، والتقاليد التي من شأنها أن تشكّل منه مواطنا يتفاعل مع مجتمعه ثم تأتي مهمّة المدرسة التي تقوم بالتأكيد على تلك المفردات وغرس الانتماء الوطني لدى النشء الجديد وإعداده إعدادا صحيحا للمستقبل، ويكون دور المشتغلين بأدب الطفل هو مساعدة البيت والمدرسة بهذه المهمة بما ينتجونه من إبداعات في الكتابة الشعرية والسردية والفنون البصرية، لوضع البوصلة في اتجاهها الصحيح، لذا فالمهمة الملقاة على عاتقهم كبيرة، فلابد من تكاتف الجهود من أجل تحقيق الهدف المنشود.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *