تكنولوجيا الاتصال الرقمي كمرتكزٍ تربويٍّ وتعليميٍّ

تطورت وسائل الاتصال وتكنولوجيا المعلومات، مؤخراً، بشكلٍ سريعٍ ومتزامن، وهو تطور دفع لتوظيفها في مختلف النشاطات والنتاجات الإنسانية، فقد بات من الصعوبة فصل التكنولوجيا عن أي نشاطٍ إنسانيٍّ، خاصةً في ظل الاندفاع البشري تجاهها، وفي مختلف النواحي، السياسية والاجتماعية، والفكرية، والتربوية، والتعليمية، والاقتصادية؛ لتكون التكنولوجيا النتاج الذي أجمعت عليه البشرية، والذي اختلفت بشأن درجة توظيفه في كافة النشاطات الإنسانية.

يُنظر للاتصال الرقمي والتكنولوجي بأنه عمليةٍ اجتماعيةٍ في المقام الأول، يتم من خلالها بث الرسائل الاتصالية المتنوعة، واستقبالها من خلال النظم الرقمية ووسائلها، وذلك بغية تحقيق أهداف معينة، بحيث تتم وفقاً لمنظومةٍ من الشيفرات، والبروتوكولات، والمحددات التي تضفي معانٍ لهذا الاتصال[1].  فإن اعتبار الاتصال الرقمي والتكنولوجي عملية لها أبعادًا اجتماعية تُعنى لمختلف الاحتياجات الإنسانية، وإمكانية توظيفها في معظم النشاطات البشرية، وذلك ضمن سلسلةً من المؤشرات والمدخلات والمخرجات المراد الوصول إليها.

يختلف توظيف أدوات الاتصال الرقمي والتكنولوجي من مجتمعٍ لآخر، فصحيحٌ أن معظم المجتمعات البشرية تتشارك في هذا التوظيف؛ إلا أن كيفية التوظيف، ومدى الاستفادة من هذا التوظيف، وتوقيته؛ هو ما تختلف فيه البشرية، سيما وأن أدوات الاتصال الرقمي والتكنولوجي تحمل جانبًا كبيرًا من تعزيز ثقافة الاستهلاك، والاعتماد عليها دون ضبطٍ للكثير من نتاجاتها السلبية قد تؤثر على قيم المجتمع، وتؤثر على سلوكه وقيمه وعاداته وتقاليده.

وقد دخلت وسائل الاتصال الرقمي والتكنولوجي هذا المجال، ووفرت للبشرية جمعاء إمكانية توظيفه في مدخلات ومخرجات العملية التربوية والتعليمية، بل إن العديد من المؤسسات التعليمية قد انتهجت سياقات التقانة والرقمنة كأسلوبٍ تربويٍّ، وأداةٍ تعليميةٍ توصل من خلالها المعلومات للمتعلمين عبر البرامج الرقمية والاتصالية، والتي تزود المتعلم بما يحتاجه من المهارات، والبيانات، والمعلومات، وثم إعداده للالتحاق بسوق العمل.

باتت الاتصالات الرقمية والتكنولوجية مرتكزاً تدخل في السياقات التربوية تبعاً لمقتضيات عصرنا الحالي، والذي يتسم بالاعتماد شبه المطلق على الرقمنة وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات. وهو اعتماد يتاخمه ويزاحمه الحذر، وذلك لسهولة استخدام هذه الوسائل من مختلف الفئات العمرية، الأمر الذي افضى لظهور تحدياتٍ تربويةٍ تواجه الأُسر والمؤسسات التعليمية والمجتمعات، حيث باتت هذه الوسائل الرقمية تُشارك المنظومات الاجتماعية والمجتمعية في التربية، وتُسهم، وبشكلٍ جليٍّ، في تغيير الكثير من الأنساق التربوية للأطفال والمتعلمين، وتؤثر على سلوكياتهم التربوية والتعليمية والاجتماعية أيضا.

وفي الجانب الآخر، فقد قدمت هذه الوسائل التكنولوجية الكثير من الأساليب التربوية الناجعة، والتي تُسهم في تربية الأجيال على التوظيف الرقمي السليم، وتقويم نتاجات العمليات التربوية في مختلف المؤسسات التعليمية، والتعرف على تجارب الدول الأخرى في كيفية التوظيف الأمثل للرقمنة في السياقات التعليمية، وآلية معالجة التحديات التي قد تعترض طريق هذه السياقات، والامتثال لاحتياجات المجتمع دون المساس بمقوماته وتقاليده الأساسية، وتحقيق الريادة في جميع جوانب العمليات التربوية والتعليمية.

بالإضافة إلى ذلك، ما تمتلكه الدولة بمؤسساتها التربوية والتعليمية والسياسية والأمنية والحكومية من قدرةٍ على ضبط مدخلات ومخرجات وسائل الاتصال الرقمي والمعلوماتي، ورؤيتها المستقبلية حول حجم الاستفادة منها، وتدخلها السليم في تصحيح أي مسارٍ للانحراف، وإمكانياتها لضبط البرامج المتلاحقة، وبأِشكالها المختلفة، والتي توفرها هذه التكنولوجيا.

ثمة جانبٍ آخرٍ متعلق باعتماد تكنولوجيا الاتصال الرقمي كمرتكزٍ تربويٍّ مرتبطٍ بالعملية التعليمية، وهو جودة المخرجات التربوية والتعليمية المرتكزة على هذه التكنولوجيا، تنظر العديد من المؤسسات الرسمية وغير الرسمية، والمرتبطة بالعديد من دول حول العالم، إلى مخرجات المؤسسات التربوية والتعليمية المتركزة على تكنولوجيا الاتصال الرقمي بشكلٍ شبه كاملٍ بشيءٍ من النقص أو الانتقاص؛ تُبرر هذه المؤسسات ذلك بأن قوام العملية التربوية والتعليمية يحتاج للاتصال الإنساني المباشر، وأن مثل هذه الوسائل قد يسهل توظيفها في كثيرٍ من الجوانب، غير المشروعة، والتي قد تؤهل صاحبها للحصول على شهادةٍ دون استحقاق، وهي محاذير وتبريرات منطقية، لكن يُمكن تفنيدها بالكثير من الوسائل الرقمية أيضا.

وفي ظل عصرنا الحالي من الاعتماد على تكنولوجيا الاتصال الرقمي والمعلوماتي كمرتكزٍ تربويٍّ وتعليميٍّ في مختلف المجتمعات والدول حول العالم، فقد دخلت هذه الوسائل كافة القطاعات البشرية والإنسانية، السياسية والعسكرية والاقتصادية والأمنية والفكرية والتربوية والتعليمية، وبات الابتعاد عنها، أو عدم توظيفها في النشاطات البشرية والانسانية؛ انتقاصٌ له ثمنه بتردي أوضاع الدولة والمجتمع، وابتعادها عن معايير التنمية والرفاه الاجتماعي والبشري.

قد تكون القطاعات التربوية والتعليمية أكبر المستفيدين  من انتشار واتساع نطاق توظيف التكنولوجيا في كافة النشاطات الإنسانية، وهو شأنٌ أثبتته التجربة التي انتابت العالم بأسره مؤخرًا جراء تعرضه لفيروس كوفيد – 19 (كورونا)، والذي أجبر جميع المؤسسات التربوية والتعليمية على توظيف تكنولوجيا الاتصال الرقمي والمعلوماتي في السياقات التربوية والتعليمية، بل وقربت الأسر والأهالي من التعرف على كيفية إدارة العملية التربوية والتعليمية من قبل المؤسسات التعليمية والتربوية بمكوناتها البشرية والمادية والمعنوية، وأهمية التوظيف الأمثل لمثل هذه التقنيات والرقميات في المخرجات التعليمية.[2]  


[1] عبد الحميد، محمد، الاتصال والإعلام على شبكة الإنترنت،  القاهرة: عالم الكتب، 2007م، ص 28 – 29.

[2] الخطيب، معن، ” تحديات التعلم الإلكتروني في ظل أزمة كورونا وما بعدها “، موقع فضائية الجزيرة على شبكة الانترنت، 14/4/2020م، الرابط الالكتروني: https://cutt.us/9qbRK .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *