دور الأسرة العمانية في تعزيز الهوية الوطنية في ظل التحولات العالمية

أن ما يشهده العالم من تغيرات متسارعة وتحولات في مختلف المجالات أصبحت تهيمن على حياة البشرية ويؤثر في هويتها القومية، وموروثها الحضاري، نتيجة للهيمنة الاقتصادية والتسويقية، وما يتضمنه من أبعاد ثقافية واجتماعية، وأنماط سلوكية، ساهمت في فرض سيطرت العولمة، وتقليص السيادة الوطنية، فأصبحت الأوطان عرضة لتأثيرات من أقطاب متعددة، مما أضر كثيراً بثقافة المجتمعات وكل ما يتعلق بعاداتها وتقاليدها وقيمها وأعرافها، لذا يتوجب على أن تكون الهوية الوطنية أكثر مقدرة على استيعاب تلك المؤثرات والعمل على تجاوزها بحيث تُكون قادرة على الاندماج والتفاعل مع العالم الخارجي ومؤثراته الحضارية. أن التحولات العالمية التي يشهدها العالم، والتطور التكنولوجي وظهور الذكاء الاصطناعي، والذي أصبح يتحكم في الحياة البشرية، أدى إلى تأثير خطير على الهوية الوطنية، نتيجة لتسرب العديد من القيم والسلوكيات والممارسات العالمية، مما أضر كثيراً بالهوية الوطنية.

وتمثل الهوية الوطنية المميزات والخصائص التي تتمثل في أفراد المجتمع والتي تميزهم عن غيرهم من المجتمعات الأخرى، وهي تكونت من الموروث الحضاري والثقافي الذي تشكل عبر الأزمنة التي مر بها تشكيل الهوية، لذا فإن ما يميز أفراد مجتمع عن آخر لم يتكون خلال فترة بسيطة وإنما مر بمراحل تاريخية حتى ارتسمت تلك الخصائص عليه، وتتمثل في العادات والتقاليد الشعبية، والزي الرسمي، والمظهر الخارجي، والانتماءات الوطنية، واللغات واللهجات، ونمط التربية، والدين، والأسماء، ومكان الإقامة، والسلوكيات الشخصية، وجوانب التعامل مع الآخرين، ونمط العلاقات ونظم الحوار، وأسس ومبادى التعامل مع الشعوب والمجتمعات الأخرى، وأسلوب التعاطي مع المواقف والأحداث.

 فعندما يتمسك المواطن بهذه الخصائص والمميزات وتصبح جزء أساسي من حياته، يُعطي دلالات ومؤشرات على مدى قوة الصلة والروابط الوطنية بين المواطن والهوية الوطنية، وفي ظل هذه التحولات العالمية قد تصبح الهوية الوطنية قابلة للتغير بشكل سلبي مما يؤثر على المواطنية وقدرتها على التفاعل مع هذا العالم المتغير، مما يتطلب منه جهود أكثر فاعلية في تعميق الهوية الوطنية لدى الشباب العماني من خلال الأسرة والمدرسة والمجتمع.

وتُعد الأسرة هي نواة المجتمع وهي العنصر الأساسي المسؤول عن بناء المجتمع ومكوناته وعناصره الفاعلة، إذ تعمل الأسرة على تكون بناء اجتماعي صغير، ينشأ فيه الطفل وينعم بالرعاية والاهتمام الاجتماعي والاقتصادي والصحي والتربوي، وبما يساعده على النمو الجسدي والروحي والعقلي، لذا تمتلك الأسرة أهمية كبيرة في تكوين الأطر العامة للمجتمع.

وتحظى الأسرة بأهمية كبيرة في المجتمع، إذ تمثل الوحدة الأساسية للتربية وغرس القيم والتقاليد والعادات الوطنية للأجيال القادمة؛ فهي تعمل على تنشئة الأفراد وتوجيههم نحو هويتهم الوطنية من خلال غرس القيم الوطنية، والقوانين والعادات والتقاليد التي تميز بلدهم، ويتطلب منها في الوقت الحاضر أن تقوم بأدوار حاسمًا في تعزيز الهوية الوطنية لدى أبنائها في تعزيز الهوية الوطنية في المجتمع، وأن تتبني استراتيجيات لتلبية احتياجات العصر الحديث ومواجهة التحولات العالمية التي قد تؤثر على الهوية الوطنية. سوف نعرض بعض التوجيهات والاستراتيجيات التي يمكن للأسرة اتباعها لتعزيز الهوية الوطنية، كالآتي:

  • تعزيز قيم الوطنية في الحياة اليومية للأسرة: ينبغي على الأسرة تعزيز القيم الوطنية في الحياة اليومية لأبنائها. مثل قيم الاحترام، والتسامح، والمساواة، والمشاركة المجتمعية، وحب الوطن، ويمكن أن تتجلى هذه القيم في التعامل مع الآخرين، سواء داخل أو خارج الأسرة، والمشاركة في الأنشطة الاجتماعية والثقافية المحلية، كما ينبغي التركيز على أهمية المحافظة على البيئة والتراث الثقافي للوطن.
  • تعزيز الوعي التاريخي والحفاظ على التراث الوطني: ينبغي على الأسرة تعزيز الوعي التاريخي لأفرادها وتحفيزهم على الاهتمام بتراث الوطن والمساهمة في حفظه. من خلال زيارة المواقع التاريخية والمتاحف والمشاركة في الأنشطة التي تروج للتراث الوطني.
  • تعزيز اللغة والهوية الثقافية: تلعب اللغة الوطنية دورًا حاسمًا في تعزيز الهوية الوطنية لذا ينبغي على الأسرة العمل على تعلمها واستخدامها في التواصل اليومي. لتحقيق ذلك ينبغي أن تحدث المحادثات العائلية باللغة العربية، وقراءة الكتب والمجلات باللغة الوطنية، ومشاهدة الأفلام والبرامج التلفزيونية باللغة العربية.
  • تعزيز الاهتمام بالمشاركة المجتمعية والعمل التطوعي: يمكن للأسرة تعزيز الهوية الوطنية من خلال تشجيع أفرادها على المشاركة بنشاط في المجتمع والمساهمة في العمل التطوعي، وتعليم الأطفال أهمية العمل الجماعي وتعاون الأفراد لتحقيق مصلحة الوطن، ويمكن للأسرة أن تكون عنصر نموذجي في المجتمع وتلعب دورًا محوريًا في تعزيز الهوية الوطنية والمساهمة في التنمية المستدامة للوطن.
  • التعليم والتحفيز الوطني في المدارس: تقوم المدارس دورًا مهمًا في تعزيز الهوية الوطنية لدى الطلبة، وينبغي على الأسرة التعاون مع المدارس من خلال المشاركة في الأنشطة التعليمية والتربوية وتعزيز النشاط الوطني، مثل الزيارات الميدانية إلى المواقع التاريخية والأنشطة الثقافية المحلية.

وتعتبر التكنولوجيا والعولمة من أبرز التحديات التي تواجه تكوين الهوية الوطنية في العصر الحديث؛ فقد تسببت  في تقريب المسافات الجغرافية وتوفير وسائل اتصال فعالة بين الأفراد حول العالم، مما أدى إلى زيادة التفاعلات الثقافية وتداخل الثقافات المختلفة. وفي ذات الاتجاه ساهمت العولمة في تحرك الأفراد بين البلدان وانتقالهم من مكان لآخر لأسباب اقتصادية وسياسية وثقافية، مما أدى إلى زيادة التنوع الثقافي في مختلف دول العالم، الأمر الذي يعود بناء على الاهتمام بالأسرة بشكل يساعدها على القيام بدروها الوطني في ظل التحولات العالمية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *