اللغة العربية ومستقبل الأمة
في ظل التحولات العالمية المتسارعة، ومع انتشار العولمة وتأثيراتها العميقة على مختلف جوانب الحياة، تبرز اللغة العربية كموضوع نقاش حيوي ومتجدد في الأوساط الثقافية والتعليمية. تتردد الأسئلة حول مستقبل هذه اللغة العريقة، ومدى قدرتها على مواجهة تحديات اللغات الأجنبية التي أصبحت تسود مجالات الدبلوماسية والاقتصاد والتكنولوجيا.
إذ لا يكاد يمر يوم دون أن نرى في صفحات الصحف والمجلات، سواء المتخصصة أو العامة، حديثاً عن اللغة العربية ومستقبلها، ومدى تأثيرها أمام اللغات الأجنبية . يتناول هذا النقاش ضعف معظم أبنائها وعجمة ألسنتهم من ناحية، و اختلافات ثقافية واسعة بين سكان الوادي من ناحية أخرى. وفي خضم هذا النقاش، يبرز سؤال مهم: لماذا هذا القلق بشأن اللغة العربية؟
هل السبب هو أن اللغات الأخرى باتت أكثر حيوية لكونها تُستخدم في التواصل الدبلوماسي والوظائف المتميزة أو التجارة الرابحة؟ أم أن اللغات غير العربية أصبحت تُصدر إلى الدول النامية كجزء من رسالة العولمة القادمة؟
أم أن صعوبة العربية جعلت البعض ينفر منها ولا يقدر على التواصل بها ؟
والحقيقة أن القلق على العربية ليس واحد مما سبق بل يكمن القلق على العربية في جملة أمور منه:
أولاً: أن اللغة العربية هى لغة القرآن الكريم و الذي هو بدوره كلام الله تعالى الأزلي ولهذا وجب صيانته والاهتمام به بما يليق بقدسيته وجلاله وعظمتة ولن يتحقق ذلك ما لم نهتم بألفاظه وحروفه ( أى بالمعاني والمباني شكلاً ومضموناً من باب القاعدة الأصولية المعروفة (ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب ) . ثم كيف يكون القرآن الكريم معجزة ظاهرة وأتباع الرسول ﷺ يعجمون في ألفاظهم ويغربون في أفهامهم؟ .. وإذا كان القرآن الكريم معجزة ظاهرة واضحة فإن اللغة التى يخاطبنا بها لغة عربية خالصة. ليبقى المحافظة عليها والاهتمام بها والذود عنها قربى إلى الله العلي الأعلى.. فإن من أحب الله أحب الرسول المصطفى ﷺ ومن أحب الرسول أحب العرب ومن أحب العرب أحب العربية التي بها نزل أفضل الكتب على أفضل العرب والعجم أو من أحب العربية عنى بها وثابر عليها وصرف عليها همته “
ثانياً: أن اللغة العربية جزء هام وركن ركين من مقومات الأمة وبقت من ثوابتها وتراثها وأصالتها بما يعنى أن إهمالها وإقصاء أهلها عنها واستبدالها بغيرها يعد هدم ركن كبير من ماضي الأمة وحاضرها ومستقبلها .
ثالثاً: أن اللغة العربية هى أداة اتصال وتخاطب بين أبناء الأمة الواحدة من أدناها إلى أقصاها وهذا مدعاة إلى توحدها وعزتها …
ونطرح سؤالا آخر.. إذا كان هذا الأمر من الأهمية بمكان فلماذا يعجز مدرسو العربية عن تشويق الطلبة في لغتهم ودراستهم والبحث فيها والاهتمام بها والتغني بأشعارها فضلاً عن التخاطب بها ؟
الجواب هو أن فاقد الشيء لا يمكن أن يمنحه، إذا كان المعلم لا يقدم جوانب متنوعة من مكنونات اللغة العربية وصنوف علومها ، ولربما ليس لديه من الخبرة ما يؤهله لذلك، أو أنه يقدمها دون تنوع في الأساليب الحديثة التي تجذب الطلبة نحو تعلمها وقد يكون غير مهتم بتطوير نفسه في تعليمها وهذا لا يكون غريباً إذا خرج جيل تحت إشرافه لا يعرف شيئاً عن فنون اللغة العربية المتنوعة.
في الماضي، كان مدرسو اللغة العربية يمتازون بحس لغوي نقي ورصيد غني من المعاني الأصيلة والمفردات الحية التي تميز لغتنا الجميلة. كانوا يمتلكون أيضاً موهبة تسهم في الإبداع والابتكار. على سبيل المثال، في حصة المطالعة (القراءة)، كانالمعلم يطلب من أحد طلابه قراءة النص، ثم يتوقف لحظة ليدعو باقي الطلاب لمناقشة النص ووضع عنوان له. كانت هذه الطريقة تحمل معاني تربوية وتعليمية عميقة، تشجع على التفكير النقدي وتنمية المهارات اللغوية والإبداعية لدى الطلاب.
أن صعوبة الحياة و شدتها على المعلم جعله يمارس عملاً آخر يدر عليه دخلاً يفي بمتطلبات الحياة الكريمة وقد يكون هذا العمل بعيد كل البعد عن مجال عمله ودراسته مما يجعله مقطوع الصلة عن مادته وما يمكن أن يعطيه ويمنحه للتلاميذ .
إن فتور الهمم وجفاف الروح، وانصراف النفس عن القراءة والتزود بالمعرفة، ساهم في انتشار هذه الظاهرة وما يترتب عليها من آثار سلبية. لعلاج ذلك، يمكن اتباع عدة خطوات، من بينها:
أولاً: الإرتقاء بمعلمي اللغة العربية: تنمية مهارات المعلمين وكفاياتهم اللغوية بالتركيز على العلم والبحث وتنميتهم بما يعزز التواصل اللغوي الفعّال بينهم وبين طلابهم.
ثانياً: يجب تنظيم دورات تدريبية مكثفة وهادفة لمعلمي اللغة العربية، بحيث تشمل أهدافاً واضحة ومواكبة لمستجدات تعليم اللغات وتعلمها. إن تفعيل المكتبة المدرسية لتكون نواة القراءة للطالب وعمل وتنمية مهاراته ( اللفظية وغير اللفظية ) وتدريبه على الكتابة والتفكير والتحليل والاستنباط “
في الختام، لا بد من التأكيد على أن اللغة العربية ليست مجرد وسيلة للتواصل، بل هي وعاء الثقافة والحضارة والتراث العربي. الحفاظ عليها والاهتمام بها هو جزء من واجبنا تجاه ديننا وهويتنا وتاريخنا. إن تحديات العصر الحديث ومتطلبات العولمة تفرض علينا تطوير أساليب تعليم اللغة العربية وإثراء مناهجها لتواكب هذه التحولات. إن استثمارنا في المعلمين وتطوير قدراتهم، وتنشيط المكتبات المدرسية، وتبني أساليب تعليمية حديثة، يمكن أن يعيد الحياة إلى هذه اللغة العريقة، ويجعلها تتألق من جديد في قلوب وعقول أبنائها. فاللغة العربية ليست فقط ماضياً مجيداً، بل هي أيضاً مفتاح لمستقبل زاهر يتطلب منا الحفاظ عليها وتعزيز مكانتها في مختلف المجالات.