الحماية القانونية للمصنفات الرقمية في عصر النشر الإلكتروني
لقد أتاح النشر الرقمي بعض المزايا للمؤلفين ومستخدمي الإنترنت بسهولة نشر مصنفاتهم الرقمية، وتوصيلها إلى الجمهور بسرعة فائقة، إضافة إلى انخفاض التكلفة المادية للنشر، لكن مع هذه المزايا ظهرت بعض السلبيات، مثل: التعدي على حقوق الملكية الفكرية، والسطو على المصنفات، وضياع حقوق المؤلف؛ مما يستدعي الحاجة إلى ضرورة سن القوانين التي تكفل الحماية القانونية Legal Protection للمصنفات الرقمية.
ومن الجدير بالذكر أن الوعي بأهمية حقوق الملكية الفكرية والالتزام بتطبيقها يلعب دورًا حاسمًا في حماية إبداع المؤلفين وتشجيعهم على الاستمرار في الإنتاج الأدبي والفكري. كذلك ينبغي على المؤسسات التعليمية والإعلامية تكثيف جهودها في توعية الجمهور بأهمية احترام حقوق الملكية الفكرية والتأكيد على القيم الأخلاقية في استخدام المحتوى الرقمي.
ومن أهم مبررات الحماية القانونية ما يأتي([1]):
- سهولة القرصنة؛ مما يؤدي إلى ضياع حقوق المؤلف؛ ومن ثم الإحجام عن الابتكار والإبداع الفكري.
- مواجهة المؤلف صعوبات بالغة في حماية حقه، وصعوبة إيقاف الاعتداء على مصنفاته الرقمية، وصعوبة اللجوء إلى التقاضي نظرًا لتعدد القوانين واختلافها، وتنازع الاختصاص فيها.
- استخدام الوسائل التكنولوجية بمعرفة أصحاب الحقوق لحماية مصنفاتهم يؤدي إلى ترجيحهم مصالحهم على حساب المصلحة العامة للمجتمع.
وإذا وقع اعتداء على المصنف الرقمي يكون أمام المؤلف المضرور اتباع سبل الحماية الموضوعية، متمثلة في: 1)- الحماية المدنية التي تستهدف ردع المعتدي بتوقيع الجزاءات المدنية في شكل تعويض لصاحب الحق عما أصابه من ضرر مادي وأدبي، 2)- الحماية الجنائية التي تستهدف تقرير عقوبات جنائية على كل من يعتدي على حق المؤلف في شكل غرامات مالية أو حبس([2]).
1)- الحماية المدنية:
نصت الاتفاقيات الدولية والتشريعات الوطنية على الحماية المدنية المتعلقة بقوانين الملكية الفكرية، وأعطت الحق للمؤلف وورثته من بعده أن يباشروا دعوى مدنية إذا وقع على المؤلف ضرر يمس شخصيته، أو يؤثر على مركزه الأدبي؛ وذلك للمطالبة بالتعويض عن الضرر الواقع نتيجة الاعتداء [المقصود أو غير المقصود]، فإذا ثبتت مسؤولية المعتدي قام التعويض وفق الضرر الذي أحدثه؛ فيكون التعويض على ما لحق المؤلف من خسارة مالية، ويكون التعويض عن الضرر الأدبي بترضية المؤلف عما أصابه من المساس بشخصيته وسمعته([3]).
ومن أبرز ما جاء في الاتفاقيات الدولية بشأن الحماية المدنية: ما ورد في اتفاقية التريبس عام 1994م في المادة (45) التي تنص على:
- للسلطات القضائية أن تأمر المتعدي أن يدفع لصاحب الحق تعويضات مناسبة عن الضرر الذي لحق به.
- للسلطات القضائية أن تأمر المتعدي أن يدفع لصاحب الحق المصروفات التي تكبدها، ويجوز للبلدان الأعضاء تخويل السلطات القضائية صلاحية أن تأمر باسترداد الأرباح ودفع تعويضات مقررة سلفًا.
“وقد جاءت اتفاقية الويبو بشأن حق المؤلف أكثر تصريحًا بالنسبة للمصنفات الرقمية، وإعطاء صلاحية للدول المتعاقدة لتحديد آلية الجزاء المدني عن الأفعال التي تشكل اعتداءً على حقوق الملكية الفكرية، وهذا ما نصت عليه المادة (12) من الاتفاقية، إضافة إلى ما منحته الاتفاقية من توجيه الدول المتعاقدة لتضمين قوانينها أوجه الحماية في مجال النشر الرقمي، وهو ما نصت عليه المادة (11) من المعاهدة (الالتزامات المتعلقة بالتدابير التكنولوجية).
ويثمن للاتفاقية العربية لحماية حقوق المؤلف والحقوق المجاورة لسنة 2007م مسايرتها التطورات التكنولوجية، وإقرارها حقوق المؤلف في مجال البيئة الرقمية، سواءً البرامج الحاسوبية أو البيانات والمعلومات التي تدخل ضمن المصنفات المحمية بحقوق المؤلف الرقمية، والذي أوردته ضمن المواد (2/2) و(3/3) و(6/3) و(25/و) و(27/4)، لكنها لم تتعرض للجزاءات التي تكفل حقوق المؤلف في حال التعدي إلا ما أوردته في المادتين (44) و(45)، وقد وجهت الاتفاقية الدول الأعضاء إلى إقرار الحماية الجزائية بما يتناسب مع قوانينها الداخلية لتشكل العقوبات رادعًا ينسجم مع حالة الاعتداء ويتناسب معها؛ وذلك بإقرار عقوبة أصلية، يضاف إليها عقوبات تكميلية، مثل: مصادرة النسخ المزورة والأدوات والآلات التي استُخدِمت في الاعتداء”([4]).
2)- الحماية الجزائية (الجنائية):
تشمل الحماية الجزائية هدفين، الأول: الحماية الموضوعية بتجريم الاعتداء على المصنفات الرقمية وعقاب مرتكبيها، وسن القوانين اللازمة لذلك، الثاني: الحماية الإجرائية بتوفير الوسائل القانونية للمتضرر لدفع الاعتداء عنه، وتعويضه بما يتناسب وحجم الاعتداء، وقد تعمدت معظم الاتفاقيات الدولية خلوها من الحماية الجنائية للمصنفات، أو من تضمينها عقوبات للأفعال التي تشكل اعتداءً على المصنفات المحمية ضمن الملكية الفكرية، واقتصرت على الحماية الإجرائية والشق المدني من الحماية الموضوعية([5]).
ومن النصوص القانونية التي أوردت الحماية الجنائية: ما ورد في اتفاقية التريبس ضمن القسم الخاص في الإجراءات الجنائية في المادة (61) والتي ورد فيها: “تلتزم البلدان الأعضاء بفرض تطبيق الإجراءات والعقوبات الجنائية على الأقل في حالات…. انتحال حقوق المؤلف على نطاق تجاري، وتشمل الجزاءات التي يمكن فرضها: الحبس و/ أو الغرامات المالية ما يكفي لتوفير رادع يتناسب مع مستوى العقوبات المطبقة فيما يتعلق بالجرائم ذات الخطورة المماثلة….”([6]).
وبالرغم من كل محاولات توحيد الجهود الدولية في مواجهة الاعتداء على المصنفات الرقمية إلا أن هذه الجهود لم ترقَ إلى مستوى تطلعات المجتمع الدولي، فحجم الضرر الاقتصادي والفكري الذي سببته القرصنة في تزايد مستمر؛ لأن أغلب الدول ركزت جهودها على التصدي للصور التقليدية للاعتداء على المصنفات الرقمية كالدخول إلى النظام المعلوماتي بشكل غير مشروع، إلا أنها أغفلت القرصنة الإلكترونية، مع أنها تمثل أكثر صور الاعتداء خطورةً، وأشدها ضررًا في الوسط الرقمي([7]).
ومن ثم بات لزامًا على المشرع الدولي والعربي مواجهة الاعتداء على المصنفات الرقمية، ومحاربة كافة أشكال الاعتداء عليها بتوفير الحماية القانونية والتدابير التقنية والتكنولوجية في أعمال النشر الرقمي.
الهوامش الإحالية:
([1]) ينظر: الحماية القانونية للمصنفات المنشورة إلكترونيًّا فى ظل معاهدة الويبو لحقوق المؤلف 1996م دراسة تقييمية، رقية عواشرية، مجلة جيل حقوق الإنسان، باتنة، الجزائر، 2013م، ص101.
([2]) ينظر: حماية الملكية الفكرية في البيئة الرقمية، سوفالو أمال، رسالة دكتوراه، كلية الحقوق، جامعة الجزائر، 2017م، ص202.
([3]) ينظر: المرجع السابق، صـ203.
([4]) ينظر: مدى كفاية أحكام الحماية لحقوق المؤلف للمصنفات المنشورة على شبكة الإنترنت في القانون الأردني والاتفاقيات والمعاهدات الدولية، د.عاطف سالم العواملة وآخرون، المؤتمر الدولي الأول بعنوان: المكتبات ومراكز المعلومات في بيئة رقمية متغيرة، جمعية المكتبات والمعلومات الأردنية وجامعة البلقاء التطبيقية، عمان، الأردن، 2014م، ص ص777-781.
([6]) ينظر: آلية حماية حقوق الملكية الفكرية، إياد محمد طنش، مؤتمر الجوانب القانونية والاقتصادية لاتفاقيات منظمة التجارة العالمية، دبي، الإمارات العربية المتحدة، 2004م، ص273.
([7]) ينظر: القرصنة الإلكترونية الضرر الاقتصادي والفكري، طه عيساني، مجلة جيل الأبحاث القانونية المعمقة، العدد الخامس، مركز جيل البحث العلمي، الجزائر، يوليو 2016م، ص111.