تقرير.. الهجوم الأوكراني على روسيا مجازفة غير مضمونة النتائج

موسكو في 20 أغسطس /العُمانية/بعد أسبوعين على بدء الهجوم الأوكراني المفاجئ داخل الأراضي الروسية، نجحت كييف في أخذ زمام المبادرة في الحرب، في مخاطرة خاضها الأوكرانيون بأوراق ضعيفة ونجاح غير مضمون على المدى الطويل.

وبعدما كانت تراوح مكانها على الجبهة الجنوبية والجنوبية الشرقية في أراضيها، فاجأت كييف الجميع، بمن فيهم حلفاؤها، وأعلنت سيطرتها على 1250 كيلومترا مربعا و92 بلدة في الأراضي الروسية، في حين تؤكد موسكو أنّها “تصدّ هجماتها” بانتظام، إلا أن التقدّم اليوم لا يعني الانتصار غدًا.

غداة الهجوم الأوكراني على كورسك، أشار البيت الأبيض إلى أنّه يريد معرفة المزيد عن “أهداف” كييف، ومنذ ذلك الحين، عملت كييف على شرح الأمر.

وقال مستشار الرئاسة الأوكرانية ميخائيلو بودولياك : إنّ “أوكرانيا لا تريد احتلال الأرضي الروسية”، موضحًا أنها تريد التفاوض “بشروطنا”، وأضاف “إذا كنّا نتحدث عن مفاوضات محتملة، فسيتعيّن علينا جلب الروس إلى الجانب الآخر من الطاولة بشروطنا”.

من جهته، وصف المدير الأكاديمي لمؤسسة البحر الأبيض المتوسّط للدراسات الاستراتيجية بيير رازو، الأمر بـ”مساومة من أجل تبادل محتمل للأراضي التي تسيطر عليها أوكرانيا مقابل المناطق التي تسيطر عليها روسيا”.

أما الهدف الآخر للهجوم، فيتمثّل في “تدمير أكبر قدر ممكن من أدوات الحرب الروسية، وإنشاء منطقة عازلة”، وفقًا للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، مما يؤكد أن الأمر يتعلق بأهداف كبيرة ووسائل صغيرة، وأمام كييف الكثير لتفعله على الجبهة الرئيسية، بينما توجّب عليها أيضًا أن تبقي انتشارها في أراضيها.

وفي هذا السياق، يشير بيير رازو إلى أنّ “أوكرانيا أرسلت (إلى روسيا) بضعة ألوية متنقّلة من احتياطها الاستراتيجي ووحدات ميكانيكية رئيسة مجهّزة بمعدّات غربية، بما في ذلك العديد من المركبات المدرّعة ذات العجلات”.

ويقول المؤرّخ العسكري ميشال غويا “يبدو أنّه بالإضافة إلى أسلوب التمويه وتشتيت القوات الكلاسيكي، تمكّن الأوكرانيون من تغطية جميع أجهزة الاستشعار الروسية أو جزء منها عن طريق الطائرات من دون طيار والحرب الإلكترونية وتسلّل الجنود”.

ويشير إلى أنّه في السادس من أغسطس، “اخترقت كييف الحدود في ستة مواقع من خلال استخدام عدد مماثل من الكتائب”، مضيفًا أنّ التقدّم كان سريعًا ثمّ تباطأ.

من جهتها، قالت وزارة الدفاع البريطانية: “بعد حالة من الخوف وعدم التنظيم الأولية، انتشرت القوات الروسية في المنطقة وبدأت ببناء مواقع دفاعية إضافية”.

غير أنّ الجنرال الأسترالي المتقاعد ميك راين يرى أنّه “سيكون على هذا المعسكر أو ذاك أن يتخذ خيارًا صعبًا بشأن أولوياته”، معتبرًا أن أيًّا من الطرفين لن يتمكّن من الالتزام بالأمرين لفترة طويلة.

وفي هذا الإطار، بات من المؤكد أن كييف حقّقت نجاحًا عملياتيًا لا جدال فيه، ولكن فوائده لا تزال مجهولة في ظل استمرار موسكو في التقدّم ببطء في أوكرانيا.

ويعترف فاسيلي كاشيني من المدرسة العليا للاقتصاد في روسيا بأنّ الأوكرانيين “وجّهوا ضربة سياسية قاسية لروسيا، وعزّزوا مكانتهم بالاستيلاء على مناطق مهمّة، لكنّهم لم يسيطروا على مواقع استراتيجية”.

وتبقى الدول الداعمة لأوكرانيا حذرة بشكل ملحوظ، وتبدو قلقة بدرجات متفاوتة من استخدام أسلحتها في روسيا، ومن من رؤية موسكو تبالغ في ردّ فعلها.

واستغرق الأمر الرئيس الأمريكي جو بايدن أسبوعًا قبل أن يعلّق على التحرّك الأوكراني، مشيدًا بالعملية التي “صنعت معضلة حقيقية” أمام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

كذلك، أكّدت وسائل إعلام بريطانية أن أوكرانيا تستخدم دبابات “شالجنر 2″، بعدما سمحت لها لندن باستخدام أسلحتها لاستهداف الأراضي الروسية، مع استثناء ملحوظ لصواريخ “ستورم شادو” بعيدة المدى.

من جهتها، لم تعلّق باريس على الأمر، إذ كانت منشغلة بالألعاب الأولمبية في موازاة شلل سياسي جراء عدم وجود حكومة منذ أن قام الرئيس إيمانويل ماكرون بحلّ الجمعية الوطنية.

أمّا بالنسبة إلى ألمانيا التي تسعى إلى إقرار تخفيضات اقتصادية في إطار موازنتها، فقد خفّضت مساعداتها العسكرية لكييف إلى النصف خلال السنة المقبلة (من 7,5 مليار يورو إلى أربعة مليارات).

وفي السياق، يقول ميك رايان إنّ “الهدف الأوكراني يتمثّل في إظهار أنّ النصر الروسي ليس حتميًا”، وبالتالي، فإنّ الخسائر التي لحقت بالقوات الروسية سيكون لها تأثيرها ضمن التقييم الدولي للعملية.

ولكن في ما هو أبعد من ذلك، لا يزال يتعيّن إثبات فائدة هذه المخاطرة، ويحذّر راين قائلا “على الرغم من أهمية الهجوم على كورسك ومهارة تنفيذه، إلّا أنّه قد لا يغيّر خطط بوتين”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *