مضامين الخطاب السامي لجلالة السلطان هيثم بن طارق

الثامن عشر من نوفمبر المجيد تاريخ يحمل العزة والفخر لأبناء عمان؛ فهو يمثل لهم تاريخ بناء الدولة الحديثة والحضارة والإنسان، إنه تاريخ ميلاد القائد الملهم السلطان الراحل قابوس بن سعيد _طيب الله ثراه_ الذي صنع مجد عُمان الحديث، القائد الذي سخر حياته من أجل بناء الإنسان العماني، وتمكينه من أجل أن يكون شريكاً فاعلاً ومواطنًا قادرًا على المشاركة في التنمية الشاملة في الدولة، لذا لا ريب أن نتفرد بهوية عمانية خالصة وذات صفات وخصائص تختلف عن كل الشعوب والأمم.
ولا شك أننا نحتفل بتلك الإنجازات العظيمة التي أبدعتها أيادي العمانيين، والتي أظهرت للعالم أننا أبناء حضارة عريقة، ودولة حديثة قادرين على صناعة المستقبل والتغيير من أجل مواكبة الحضارة الحديثة المتجددة، في ظل القيادة الحكيمة لجلالة السلطان هيثم بن طارق _حفظه الله ورعاه_، الذي يسير في ذات الخطى ويهدف إلى استكمال بناء الدولة الحديثة وتطوير مؤسساتها، والمحافظة على مقدراتها الوطنية، وفق تطلعات المستقبل، وبناء الإنسان العماني وتوفير الحياة الكريمة التي تحفظ كرامته وعزته بين الأمم، فأصبح شهر نوفمبر شاهدًا على الإنجازات في الدولة العمانية الحديثة، وأصبح الارتباط الوجداني جزءًا من الهوية العمانية الذي يمثل مرحلة الإنجاز والحضارة.

وقد ألهم الخطاب السامي لجلالة السلطان هيثم بن طارق _أعزه الله_ كل أبناء هذا الوطن بحكمته ورؤيته وتوجيهاته، وأرسى معالم الطريق لجميع الجهات الحكومية والمجالس البرلمانية لتنفيذ ما يلزم في المستقبل من أجل بناء الوطن وتحقيق طموحاته، التي تستند إلى رؤية عمان 2040م، إذ ركز الخطاب السامي على العديد من المضامين، وسوف نستعرضها وفق الآتي:
الشورى العمانية: أكد جلالة السلطان على نضج تجربة مجلس عمان من خلال أدواره الوطنية في التكامل مع أجهزة الدولة، والحرص على دعم العمل الوطني، وتحقيق رفاهية المواطن، من منطلق الأدوار الوطنية والمشاركة السياسية في صناعة القرار، مما يؤكد على المنطلقات الأساسية والتي أنشأت من أجلها المجالس البرلمانية، وهذا يعطي دلالة على مدى اهتمام جلالته بالشراكة بين المواطن والحكومة في بناء الدولة الحديثة، كما أكد جلالته على تحمل أعضاء مجلس عمان المسؤولية الكبيرة تجاه الوطن، ووضع المصلحة الوطنية العليا هي أساس العمل الوطني القادم، مسترشدين بمبادئ النظام الأساسي للدولة وبالقوانين المنظمة للعمل البرلماني، وأن يكونوا أداة فاعلة في تطور في الوطن ونمائه.
الإنجازات الوطنية: أشاد الخطاب السامي بدور أبناء عمان ومؤسسات الدولة في تحقيق الإنجازات المتواصلة في مسار التنمية الشاملة، وفق رؤية تهدف إلى النهوض بالقطاعات الاجتماعية والحفاظ على المكتسبات، مقدرًا الجهود الوطنية التي مكنت عمان من تحقيق نتائج طيبة وإنجازات مهمة على الصعيد الاجتماعي والاقتصادي والأداء المالي. كما أكد جلالته على أن الخطط الاقتصادية رسمت بشكل مدروس بعناية وبأهداف تلبي متطلبات الحاضر وتسعى لتحقيق النمو المستدام، من خلال إدارة مواردنا الإدارة السليمة، وتخفيف أعباء الدين العام، ودعم القطاعات الاجتماعية وتحفيز النمو الاقتصادي.
الاستدامة المالية: تأتي الإدارة المالية واستدامتها ضمن أولويات اهتمام جلالته لما له الأثر في التنمية الشاملة في الدولة، وبناء الإنسان العماني، واستمرار المشاريع التنموية الهادفة، لذا فقد تضمن الخطاب السامي أربعة محاور أساسية في الاستدامة المالية وهي: الإشادة بأثر خطة الاستدامة المالية في المحافظة على المركز المالي للبلاد ورفع كفاءة الإنفاق. والتقدير لإسهام البرامج الوطنية في دعم النمو الاقتصادي وتعزيز الاستثمار في القطاعات الواعدة. والتأكيد على العزم بالمستمر في بذل المزيد من الجهود لتنويع مصادر الدخل الوطني وزيادة الإيرادات غير النفطية وضمان الاستدامة المالية العامة للدولة، والأمل في أن يكون نظام الحماية الاجتماعية شاملاً ومستهدفًا كافة فئات المجتمع لينعم الجميع بالعيش الكريم.
الجهاز الإداري للدولة: جاءت التوجهات السامية قبل أربع سنوات بإعادة تغيير الهيكل الإداري للدولة، وهذا كان له الأثر الإيجابي في تفعيل الخطط الحكومية ورفع كفاءة أداء المؤسسات، إذ أكد الخطاب السامي على أهمية قياس الأداء المؤسسي، والمتابعة المستمرة للمؤسسات، مما يساعد على تجويد الأداء، مما انعكس على المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية وفق لتوجهات رؤية عمان 2040م.
القضاء العماني: تُمثل العدالة أهم أركان الدولة الحديثة، لذا فقد حظي باهتمام جلالته من خلال تطوير أنظمته، وتعزيز القدرات البشرية التي تساعد على تأدية الدور الوطني، في تحقيق العدالة الناجزة.
القطاع الخدمي: تميز المجتمع العماني بالنمو السكاني المتزايد خلال الفترة الماضية، وهذا الأمر يتطلب الاهتمام بقطاع الخدمات وخاصة قطاع الصحة والتعليم، وقد كان لقطاع الصحة عائد فاعل نظير التطوير الإداري والخدمي في هذا القطاع، كما حصل قطاع التعليم على اهتمام جلالته وحرصه على تطويره وفق مؤشرات رؤية عمان 2040، وبما يساعد على توفره في جميع المحافظات.
تطوير نظام المحافظات: تمثل رؤية جلالة السلطان هيثم بن طارق _أعزه الله_ في إعطاء المحافظات الإدارة اللامركزية من أجل الاستفادة من المقدرات المالية والبشرية، وإتاحة الفرصة من أجل الابتكار والتنافسية في الخدمات البلدية، مما كان له الأثر في تحقيق العديد من المشاريع التنموية. وقد تضمن الخطاب السامي التأكيد على أهمية دور المجالس البلدية في استغلال الممكنات المادية والبشرية في العمل بطرق مبتكرة وحديثة تتوافق مع المرحلة الحالية، مؤكدًا على جعل سعادة المواطنين ورفاهيتهم أهم أهداف إدارة المحافظات، مع التأكيد على أن الحكومة عازمة على التقييم لهذه التجربة، ومدى النجاحات التي تحققت، والعمل على تطويرها في ضوء المتابعة المستمرة، لتشمل العديد من القطاعات في المستقبل، مما يعطي مؤشرات على أن الحكومة عازمة على منح المؤسسات مزيدًا من الفرص في الإدارة اللامركزية وقياس مدى فاعلية هذه التجربة الإدارية.
التحديات المجتمعية: وقد تضمن الخطاب السامي مجموعة من الموجهات التي ينبغي على المؤسسات أن تعمل على معالجتها خلال الفترة القادمة، منها:

  • التحولات الرقمية السريعة والمتلاحقة باتت تشكل تحديات لمجتمعنا، وهويتنا، وقيمنا، وثقافتنا.
  • التعامل مع هذه التحديات بحكمة ووعي، ودراستها ومتابعتها بشكل مستمر.
  • تعزيز قدرة مجتمعنا على مواجهة هذه التحديات والحفاظ على هويتنا الوطنية والقيم والمبادئ الأصيلة.
  • الاهتمام بالأسرة وتمكينها من تحصين أبنائنا وبناتنا من الاتجاهات الفكرية السلبية التي تتنافى مع ديننا وقيمنا وثقافتنا.

المؤسسات التعليمية: تضمن الخطاب السامي حرص جلالته على الاهتمام بقطاع التعليم، مؤكد على ضرورة إيجاد مخرجات قادرة على القيادة الاقتصادية في المستقبل، وقد تضمن الخطاب الموجهات الآتي:

  • اعتبار المؤسسات التعليمية والمراكز البحثية والمعرفية أساس بنائنا العلمي والمعرفي ومستند تقدمنا التقني والصناعي.
  • استمرار نهجنا الداعي إلى تمكين هذا القطاع وربط مناهج التعليم بمتطلبات النمو الاقتصادي.
  • تعزيز الفرص لأبنائنا وبناتنا متسلحين بمناهج التفكير العلمي والانفتاح على الآفاق الرحبة للعلوم والمعارف.
  • توجيه طاقاتهم المعرفية والذهنية إلى الإبداع والابتكار والتطوير ليصبحوا أسسًا للاستثمار الحقيقي وقادة للتطوير الاقتصادي.

الذكاء الاصطناعي: يؤكد جلالة السلطان هيثم بن طارق _حفظه الله ورعاه_ على أهمية التحولات التي يشهدها العالم في القطاع التقني، والاستفادة من هذا التطور في تحقيق التنمية الشاملة في الدولة، وقد تضمن الخطاب توجيهًا ساميًا للاهتمام بذلك من خلال الموجهات الآتية:

  • الاستفادة من التطورات العالمية المتسارعة للتقنيات المتقدمة وتطبيقاتها، وخاصة تطبيقات الذكاء الاصطناعي؛ لتحسين الإنتاجية والكفاءة لمجموعة واسعة من القطاعات.
  • تنويع مصادر الدخل القائم على أساس التقنية والمعرفة والابتكار.
  • جعل الاقتصاد الرقمي أولوية ورافدًا للاقتصاد الوطني.
  • إعداد برنامج وطني لتنفيذ تقنيات الذكاء الاصطناعي وتوطينها.
  • إعداد التشريعات التي ستسهم في جعل هذه التقنيات كأحد الممكنات والمحفزات الأساسية لهذه القطاعات.

الطاقة المتجددة: حظي المنُاخ باهتمام جلالته والذي أكد فيه على الاهتمام بالبحث عن مصادر الطاقة المتجددة النظيفة، خاصة أن الحكومة تتجه إلى تحقيق الحياد الصفري لعام 2050م، مما يؤكد على أهمية العمل على تسريع الإجراءات الإدارية والفنية، وتطوير الأنظمة لتسهيل وتشجيع الاستثمارات الأجنبية في هذه القطاع.
القضية الفلسطينية: تأخذ القضية الفلسطينية أهمية كبيرة لدى الحكومة العمانية بقيادة جلالة السلطان هيثم بن طارق _أعزه الله_ الذي أكد في خطابه على حقوق الشعب الفلسطيني وضرورة حمايته من التعرض للعدوان الإسرائيلي الغاشم، والحصار الجائر الذي يمنع الفلسطينيين من الحصول على حقوقهم وحريتهم، وقد تضمن الخطاب السامي الموجهات الآتية:

  • التأكيد على مبادئنا الثابتة لإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية.
  • المطالبة بتحمل المجتمع الدولي مسؤولياته والتزاماته اتجاه القضية الفلسطينية والمسارعة في إيجاد حلول جذرية لتحقيق آمال الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة.
  • السعي لإحلال السلام في منطقتنا والعالم أجمع ونشر الأمن والأمان.
  • التأكيد على ثوابتنا السياسية المبنية على مبادئ حسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للآخرين وإرساء نظام عادل لتبادل المنافع والمصالح وإقامة أسس الاستقرار والسلام والإسهام فيها بإيجابية.

نحن نعيش في عصر التحولات السريعة والمتلاحقة، ونسعى إلى التكيف مع التغيرات التي تحدث في العالم من حولنا، ونشارك في إنتاج وتبادل المعرفة والابتكارات التي تميز الحضارة الحديثة. لهذا الغرض، نحن بحاجة إلى بذل المزيد من الجهد والتفاني والتميز في كل مجالات العمل والحياة، لنكون جزءًا فاعلاً من صناعة المستقبل الذي نريده لأنفسنا ولأبنائنا. ولأن هذا الهدف لا يمكن للحكومة أن تحققه بمفردها، فإن وطننا يحتاج منا نحن الشعب العماني الأصيل التعاون والتضامن بين جميع أطياف المجتمع، والاستفادة من الدعم والتوجيه الذي تقدمه مؤسسات الدولة، والاعتماد على الكفاءات والمواهب الوطنية التي تسهم في تطوير الأفكار وتقديم الحلول الإبداعية التي تتناسب مع متطلبات الثورة الصناعية الرابعة والتحديات التي تواجهنا. ولأننا نعلم أن كل هذا لا يمكن أن يتحقق إلا بالولاء والانتماء للوطن ولقائده، فإننا نجدد العهد والولاء لجلالة السلطان هيثم بن طارق _أعزه الله_، ونعمل تحت رايته بإخلاص وتفانٍ من أجل عماننا الغالية، التي تحتفل هذا العام بالذكرى الثالث والخمسين لنهضتها المباركة وقد حققت نهضة شاملة في كل المجالات، وجعلت منها دولة حديثة وفق المقاييس العالمية.

ونسأل الله تعالى أن يديم علينا نعمة الأمن والاستقرار والرخاء، وأن يحفظ لنا قائدنا الحكيم، وأن يوفقنا لما فيه خير عمان وشعبها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *