مسيرة العطاء والازدهار: إنجازات الدولة البوسعيدية منذ 1744

القادة الذين يصنعون التغيير هم أولئك الذين يتمتعون برؤية مستقبلية ثاقبة وقدرة فائقة على التفكير الاستراتيجي، يمتلكون البصيرة والرؤية والتفكير والإرادة اللازمة لتحويل التحديات إلى فرص ونجاحات، وتحقيق التقدم والازدهار في مجتمعاتهم، هؤلاء القادة لا يركز اهتمامهم على توجيه الأوضاع الراهنة، بل يمتد إلى استشراف المستقبل، ووضع خطط محكمة تضع بلادهم على مسار الحضارة والازدهار، أنهم كقادة السفن العظيمة في وسط البحار، يعرفون كيف يعبرون أمواج التحديات والاضطرابات دون أن يغرقوا، بل يقودون شعوبهم بثبات نحو مراسي الاستقرار والازدهار.
وفي سلطنة عُمان حيث تُشرق الشمس على أمواج المحيط المتلاطمة بجبال الحجر الشامخة، تجسد القيادة الحكيمة هذه السمات بكل وضوح، حيث تمكنت من الإبحار بسفينة الوطن نحو آفاق جديدة من التقدم والازدهار، على الرغم من أمواج التحديات العاتية التي واجهتها، إلا أن الرغبة في صناعة المجد والحضارة العُمانية امتداد لتاريخ عظيم كان لابد من المضي في سبيل رفعة الراية العُمانية لتحقيق الامن والسلام من أجل الازدهار الوطني، فكان لابد من نجاح القيادة في تحقيق نهضة شاملة قادت السلطنة إلى موقع متميز بين الأمم.
لقد كانت الدولة البوسعيدية منذ تأسيسها على يد الإمام أحمد بن سعيد آل سعيد في عام 1744م رمزًا للتحولات الكبرى والقيادة الحكيمة، وقيادة البلاد نحو مراحل غير مسبوقة من الازدهار والتوسع، بفضل حكمت القادة العمانيين وبُعد نظرهم، استطاعت عُمان أن تصبح إمبراطورية عظيمة، امتدت حدودها لتشمل شرق إفريقيا، حيث تأسست مدينة زنجبار كعاصمة ثانية للإمبراطورية العُمانية، لم يكن الازدهار مجرد هدف، بل رؤية واقعية تمتد عبر القارات، تجمع بين التجارة والقوة البحرية، وتثري العلاقات الدبلوماسية مع الشرق والغرب، إن هذه الإنجازات العظيمة التي تكللت في مراحل متتالية من التقدم والاستقرار، تعكس مدى قدرة القادة العظماء على تحويل الدولة إلى نموذج يحتذى به في التنمية والازدهار، وذلك ما يظهر جليًا في مسيرة عُمان حتى يومنا هذا.
في وعهد النهضة العمانية الحديثة كان للسلطان الراحل قابوس بن سعيد _طيب الله ثراه_ الذي تولى حكم في عام م1970، دوراً عظيما في صناعة التغيير في عُمان، إذ كانت البلد تعيش فيه حالة من الفقر والتخلف والانعزال، بإرادته الصلبة ورؤيته الثاقبة، قاد السلطان قابوس عُمان نحو نهضة شاملة غيّرت ملامح البلاد جذريًا، وركزت قيادته على تطوير البنية التحتية وإرساء قواعد الدولة الحديثة، حيث وضع أسس النهضة الاقتصادية من خلال الاستثمار في موارد البلاد وتنويع مصادر الدخل، إذ تمكنت عُمان خلال عهده من تحقيق قفزات نوعية في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والصحية والتعليمية، بهدف بناء المواطن العُماني وتحقيق الحياة الكريمة له.
إذ عزز السلطان قابوس بن سعيد _طيب الله ثراه_ التماسك الوطني والوحدة بين أبناء الشعب، مع ترسيخ قيم العدالة والمساواة، أما على الصعيد الثقافي، فقد كانت اهتماماته بتنمية الهوية العُمانية واضحة من خلال دعم الفنون والتراث، مع الحفاظ على خصوصية عُمان الثقافية والدينية، في ظل قيادته الحكيمة، انتقلت عُمان من دولة متخلفة إلى دولة متقدمة توفر للمواطن جميع سبل الراحة والرفاهية، وتجعلها نموذجًا يُحتذى به في التنمية المستدامة.
وبعد مسيرة حافلة بالإنجازات في عهد السلطان قابوس بن سعيد _طيب الله ثراه_ والذي تمكن من تحويل عُمان من دولة تعاني الفقر والتخلف إلى دولة مزدهرة ومتقدمة على كافة الأصعدة، جاءت لحظة الانتقال إلى عهد جديد في عام 2020 تولى جلالة السلطان هيثم بن طارق _حفظه الله ورعاه_ دفة الحكم في السلطنة، حاملًا معه إرثًا عظيمًا من النهضة الشاملة التي أسسها السلطان الراحل، هذا الانتقال كان سلسًا ومدروسًا، حيث أكّد السلطان هيثم على التزامه بمواصلة مسيرة البناء والتطوير، مرتكزًا على رؤية مستقبلية طموحة تتجسد في رؤية “عُمان 2040″، مع التركيز على تحقيق التنمية المستدامة وتعزيز اقتصاد الدولة، ليكمل مسار عُمان نحو مزيد من التقدم والاستقرار.
منذ تولي جلالة السلطان هيثم بن طارق مقاليد الحكم، أظهرت خطاباته للشعب مجموعة من السمات القيادية التي تؤكد التزامه برؤية تطويرية واستمرارية للنهضة العُمانية، إحدى السمات البارزة في خطاباته هي التركيز على الإصلاح والتنمية الاقتصادية، إذ حرص على توجيه الجهود نحو تنويع مصادر الدخل وتقوية الاقتصاد الوطني بعيدًا عن الاعتماد المفرط على النفط، وتعكس خطاباته كذلك إيمانه بالتخطيط الاستراتيجي العميق، إذ يشدد على أهمية رؤية “عُمان 2040” لتحقيق أهداف التنمية المستدامة.
أظهرت خطب السلطان هيثم بن طارق _أعزه الله_ أيضًا بعدًا اجتماعيًا وإنسانيًا واضحًا، حيث حرص على رعاية فئات المجتمع المختلفة، مؤكدًا على ضرورة تحقيق العدالة الاجتماعية وتحسين مستوى المعيشة للجميع، هذه السمات القيادية مجتمعة تضع جلالته في مكانة متميزة كقائد يسير بعُمان بثبات نحو مستقبل مشرق ومزدهر.
في السنوات الأربع الماضية حققت سلطنة عُمان إنجازات اقتصادية واجتماعية ملحوظة تحت قيادة جلالة السلطان هيثم بن طارق _حفظه الله ورعاه_ على الصعيد الاقتصادي، شهدت عُمان تحسنًا كبيرًا في قدرتها على إدارة الدين العام، عبر سياسات مالية متوزانة وبرامج تنويع اقتصادي، تمكنت السلطنة من تقليص العجز في الميزانية، وسداد جزء من الديون السيادية، مما أدى إلى تحسين تصنيفها الائتماني في التقارير الاقتصادية الدولية، هذا التحسن في التصنيف ساعد على تعزيز ثقة المستثمرين الدوليين، وزيادة التدفقات الاستثمارية، مما أسهم في دعم الاقتصاد الوطني.
إلى جانب التخلص من الديون، عملت عُمان على تعزيز الاقتصاد من خلال تنويع مصادر الدخل وتطوير القطاعات غير النفطية مثل السياحة، اللوجستيات، والتكنولوجيا، هذه الجهود أسهمت في تحريك عجلة التنمية الاقتصادية وتقليل الاعتماد على النفط كمصدر رئيسي للإيرادات، وهو ما يتماشى مع رؤية “عُمان 2040”.
أما على الصعيد الاجتماعي فقد اتخذت الحكومة خطوات كبيرة لتعزيز منظومة الحماية الاجتماعية، أُطلقت عدة برامج تستهدف دعم الأسر والطفولة والمرأة وكبار السن، محدودة الدخل وذوي الاحتياجات الخاصة، بالإضافة إلى تقديم الدعم المالي المباشر لهم، كما تم إدخال إصلاحات تشريعية لضمان حماية حقوق العمال وتعزيز مستوى المعيشة، وساهمت هذه الجهود في تحسين جودة الحياة للمواطنين وتوفير الحماية الاجتماعية التي تؤمن استقرار الأسرة العُمانية مما عزز الشعور بالرفاهية.
النجاحات الحقيقية التي شهدتها سلطنة عُمان جاءت بفضل الشراكة القوية مع المواطن العُماني الذي كان له دور فعال ومحوري في دعم القيادة الوطنية والمساهمة بفاعلية في تحقيق التنمية الشاملة، فقد أظهر المواطن العُماني وعيًا عميقًا وحرصًا على المشاركة الفاعلة في مسيرة بناء الوطن، عبر استثماره في الفرص التي أتيحت له لتطوير ذاته علميًا وثقافيًا واقتصاديًا، مما جعله عنصرًا أساسيًا في الحفاظ على الأمن والاستقرار الوطني، هذه الشراكة البنّاءة بين القيادة والشعب أسهمت في تحقيق رؤية “عُمان 2040″، ودعمت المساعي الرامية إلى تعزيز ازدهار البلاد وتقدمها في مختلف المجالات، لتكون عُمان اليوم مثالًا حيًا على تكامل القيادة الحكيمة والمواطن الواعي في بناء دولة رائدة ومستدامة.