الدور التربوي لمواقع التواصل الاجتماعي والمواطنة في عصر العولمة

يشهد عالمنا المعاصر تحولات علمية مذهلة ومتسارعة في مختلف المجالات، فقد تركت بصماتها على مختلف مناحي الحياة في المجتمع. كما أنها امتزجت مع مختلف جوانب الحياة سواء المادية أو المعنوية للأفراد والجماعات والذين هم الأكثر تأثرًا بهذه التغيرات، مما أثر على القيم والأعراف والثقافات والعادات والتقاليد التي يؤمن بها الأفراد والمجتمعات، ناهيك عن التغير الملحوظ في النظم الاجتماعية الثقافية والاقتصادية والسياسية.

فلقد أحدث التطور التكنولوجي في الآونة الأخيرة بأدواته وتقنياته نقلة حضارية كبيرة؛ حيث جعلت الأفراد في المجتمع العالمي يعيشون وكأنهم في مكان واحد صغير متقارب. وأصبح التقاء المجتمعات يطلق عليه مجتمع الشاشة الصغيرة بدلاً من مصطلح العالم قرية صغيرة.     

ومن أهم التقنيات التي وفرتها تلك التكنولوجيا الحديثة – في عصر العولمة الذي نعيشه – ما يعرف بشبكات التواصل الاجتماعي كملتقى لأفراد المجتمعات في مختلف مناحي الحياة، والتي ذابت فيها القيم والأعراف والتقاليد بين الشعوب بعضها بعضا، لتشكل هوية جديدة خليط من ثقافات الشعوب نظرًا لهذا التقارب المتعدد والمتسارع.

وقد تعددت وتشعبت وتسارعت البرامج التي تقدم خدمات التواصل الاجتماعي لأفراد المجتمع بإيجابياتها وسلبياتها والتي انعكست على مستخدميها سلوكيا وأخلاقيا واجتماعيا. فهناك بعض الشباب الذي يهرب من الواقع المعاش إلى واقع افتراضي، وهناك من يشغل وقت فراغه بإضاعة الوقت باستخدام محركات البحث حول كل ما هو جديد في وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة، ومع ضعف الوعي الثقافي والأخلاقي لبعض مستخدمي تلك الشبكات مع وجود توجه نحو ما يسمى ثقافة العالم الواحد كمحاولة لطمس الثقافة القومية والمحلية للمجتمعات العربية، يقع بعض شبابنا فريسه لبعض الأيدولوجيات الهدامة، وتكون سلبيات تلك الشبكات الاجتماعية أكثر من الإيجابيات.

تعد شبكات التواصل الاجتماعي أنظمة لمواقع إلكترونية تتيح للأفراد المشتركين إنشاء صفحات شخصية، مما يسهل عليهم التواصل مع آخرين يشاركونهم الاهتمامات والهوايات نفسها. وبذلك يمكن القول إن شبكات التواصل الاجتماعي هي أنظمة تكنولوجية حديثة ذات طابع اجتماعي مميز، تمكن الأفراد من التواصل مع بعضهم بعضا في أي وقت ومن أي مكان.

تمثل وسائل التواصل الاجتماعي مجموعة متنوعة من القنوات أو البرامج الإلكترونية التي تسهل تواصل الأفراد في واقع افتراضي، ومن أبرز هذه الوسائل: سناب شات، منصة إكس، فيسبوك، يوتيوب، وإنستغرام وغيرها. وتشترك هذه القنوات في العديد من الوظائف مثل: التواصل الكتابي، التواصل بالصوت والصورة، تبادل الفيديوهات والأخبار، وإمكانية الحوار حول موضوعات ذات اهتمام مشترك. وفي ظل هذه الخدمات والتي أصبحت متاحة للأفراد نجد أن هذه الشبكات قد تؤثر على مستخدميها إما إيجابًا أو سلبًا، فمن الفوائد الإيجابية التي يمكن أن نوجزها هي:   

  • إتاحة وسيلة أمام الأفراد للتعبير عن ذواتهم أمام الآخرين.
  • أصبحت وسيلة للتعبير عن الرأي والمشاركة والتحاور مع الآخرين.
  • سهلت الالتقاء والتعارف بأفراد آخرين لديهم الميول نفسها والاهتمامات المشتركة.
  • سهولة تواصل أفراد المجتمع مع الخدمات الالكترونية الحكومية.
  • سهولة تواصل الأفراد مع المؤسسات التعليمية وتيسر لهم اكتساب المعارف والمعلومات المتنوعة.

وأما أبرز السلبيات والتي نلمسها هي:

  • سوء إدارة الوقت والاستغراق أمام تلك الشبكات ومغرياتها.
  • الانعزال عن الواقع والحياة في واقع افتراضي مزيف.
  • التشبع بثقافات غريبة قد لا تتوافق مع الأعراف والتقاليد والمبادئ الدينية التي تحصن الأفراد من الرذيلة.
  • الوقوع ضحية للنصب من بعض الأفراد أو المؤسسات.

تشكل التكنولوجيا تحديًا كبيرًا أمام المعلمين في المدارس والآباء في المنازل في التعامل مع الأبناء، حيث يؤدي إدمان الإنترنت إلى تهديد أمن الأسرة والمجتمع، ويساهم في انتشار الجرائم، ويعرض عقول الشباب لمخاطر فكرية قد تزعزع ثقة المواطن بوطنه وتهدد تطوره، إلا أن هناك العديد من الخصائص المميزة لها ومنها:

أ- أصبح العالم شاشة صغيرة: حيث سهلت التقارب بين الأفراد أيًا كان موقعهم المكاني.

ب- سهولة الحصول على المعلومة أو أي خبر في أي وقت وعلى مدار 24 ساعة.

ج- سهولة التواصل مع أعداد كبيرة من المشتركين في أي وقت ومن أي مكان دون أي معوقات.

د- وسيلة غير مكلفة ماديًا إذا ما قورنت بأي وسيلة أخرى للحصول على المعلومة أو الالتقاء والتحاور مع الآخرين.

هـ- سهلت العديد من الخدمات بنظام التواصل للمستخدمين، مثل: الدعاية الالكترونية والتسوق الالكتروني.

الدور التربوي لمواقع التواصل الاجتماعي في عصر العولمة:

  1. الخبرات والمهارات الاجتماعية: سهلت مواقع التواصل الاجتماعي الفرصة أمام الطلاب لاكتساب العديد من المعارف والمهارات والخبرات بجانب الاستفادة التعليمية، حيث سهلت التقاءهم بالعديد من الأفراد الذين لديهم الميول والخبرات والمعارف نفسها، وأسهمت في فتح مجالات وآفاق واسعة لتبادل المعلومات والخبرات المتنوعة، ومن ثم أسهمت في تكوين صداقات والخروج من جو العزلة والانطواء والخجل من تكوين علاقات اجتماعية مع الآخرين.
  2. الارتقاء الثقافي والفكري: أسهمت أيضًا شبكات التواصل الاجتماعي من خلال تكوين الصداقات وفتح أبواب المشاركة والحوار البناء في توطيد أواصر الصداقة بين الأفراد من ذوي الاهتمامات المشتركة، ورسخت فيما بينهم آداب الحوار واحترام الرأي والرأي الآخر، هذا من شأنه صقل عقول الأفراد بدرجة من الرقي في التعامل والفكر والحوار، مما رسخ ثقافة الشعور بالآخر واحترامه وتقديره دون تحيز أو تعصب.

ج- تعزيز الدور التربوي للمؤسسة التعليمية: أسهمت وسائل التواصل الاجتماعي في ترسيخ وتعزيز الدور التربوي للمؤسسة التعليمية، حيث أسهمت البرامج المختصة بفتح فصول التعليم الافتراضية في تقديم الخدمة التعليمية على مدار اليوم في أي وقت وبعدد دخول غير محدد. كما أتاحت تلك الوسائل امكانية التفاعل بين مقدمي الخدمة التعليمية ومتلقي الخدمة. كما أسهمت في ربط المدرسة مع المنزل ومناقشة العديد من الأمور التعليمية والتربوية بكل سهولة ويسر.

أضف إلى ذلك أسهمت شبكات التواصل الاجتماعي في إتاحة مشاركة الأفراد في حل مشاكل المجتمع من خلال إسهامه في الرأي وتوضيح وجهة نظره، كما تتيح له إمكانية توضيح وجهة نظره اتجاه قضايا المجتمع بما ينعكس على إثراء وعيه السياسي.

كما نجد أن شبكات التواصل الاجتماعي تصقل الأفراد بتوفير المعلومات والمعارف والخبرات السياسية، وتفتح المجال أمامهم نحو تقبل الحراك السياسي والاتجاه نحو تبني التغيير، ومن ثم فإن تدعيم قيم ومبادئ الهوية الوطنية والعربية يكون عند مستوى التنشئة والثقافة السياسية قبل تشكيل الوعي السياسي.

في ضوء ذلك يمكن أن تؤثر شبكات التواصل الاجتماعي في تعزيز قيم المواطنة والانتماء من خلال:

  • احترام التعددية السياسية دون تبني سياسات المرجعية السياسية الحزبية الواحدة.
  • غرس القيم والعادات والتقاليد المرغوبة والمقبولة دينيًا واجتماعيًا في الفكر والقول والفعل.
  • إمداد الأفراد بكل ما هو صحيح وبناء في تاريخهم الحضاري.
  • التأكيد على قيم إيجابية بناءة تنمي روح الولاء والانتماء للمجتمع.

   هنا يبرز لنا الدور التربوي لمواقع التواصل الاجتماعي والذي أضحى ينتمي إلى الجوانب الإيجابية في شخصية الفرد والتي تؤثر في إدراكه لمعنى القيم الاجتماعية. حيث إن دور مواقع التواصل الاجتماعي بهذه الصورة يعتبر مؤشرًا إيجابيًا، يرجع إلى وعي الطلبة بإيجابيات تلك المواقع، وإدراكهم للخبرات والقيم الاجتماعية الإيجابية التي يتم تداولها والحديث عنها، والتي تتطلبها المواقف المجتمعية المختلفة والتي تتمثل في:

قيم تطوير الذات: حيث ساعدته مواقع التواصل الاجتماعي بدورها التربوي في أن يعرف إمكانياته ويحاول تنميتها-يضع أهدافه وفق إمكانياته – يعبر عن مشاعره بوضوح – يستطيع أن يتخذ قراراته بنفسه – لديه القدرة على مواجهة أخطائه – يثق بإمكانياته في تحقيق أهدافه.

قيم تطوير الترابط الأسري: حيث ساعدته مواقع التواصل الاجتماعي بدورها التربوي في أن يشارك بشكل أفضل مع أسرته في تدبير أمور الحياة – يساعد الأسرة لكي يحقق هدفًا مشتركًا – يستطيع أن يتواجد في المواقف الصعبة التي تواجه أسرته – يستطيع توظيف كل مهاراته لنجاح عمل مشترك مع أسرته – يتوافق بسهولة مع المواقف الجديدة للأسرة.

قيم تطوير الترابط بالمجتمع المسلم: حيث ساعدته مواقع التواصل الاجتماعي بدورها التربوي في أن يحترم أوقات الصلاة والصوم ولا يتكاسل عنها- يرحب بالمشاركة في أية أعمال جماعية طوعية لخدمة المجتمع، يلتزم بوعوده للآخرين – عندما يختلف مع أصدقائه يبادر بالصلح ويتعامل معهم بالحسنى- ينجح في التغلب على التحديات دون مخالفة المبادئ الدينية – تزداد دافعيته عندما يشعر بنجاحه في الحفاظ على تقاليد مجتمعه المسلم.

قيم تطوير الترابط بنظام الدولة: حيث ساعدته مواقع التواصل الاجتماعي بدورها التربوي في أن يشعر بوجود حرية وديمقراطية في نظام الدولة – يهتم بقراءة الصحف والمجلات القومية للاطلاع على كل جديد – يحترم الرؤساء ومن في الحكم- يناقش مع زملائه بعض القضايا السياسية المطروحة – يقدر المسؤوليات الجسيمة التي يقوم بها المسؤولون.

وفي ظل هذه التحديات التي يتعرض لها المجتمع العربي – في عصر العولمة – والتي من شأنها أن تؤثر على الهوية الوطنية خاصة لدى الشباب، أصبح لزاما علينا أن نكون على دراية  ووعي تام بخطورتها، وسبل مواجهتها، وأن يكون لدينا تطلع خاص للتربية، بحيث يكون دور التربية هو إعادة التوازن بين الثقافة الوطنية، وغرس القيم الدينية، ومتطلبات العولمة، وأن يكون هذا التطلع تابع ومرتبط بواقع مجتمعنا وبالإرث الثقافي والحضاري لنا، بحيث نتخذ مبادئ التربية العالمية استنادا إلى فهم وتفسير الفكر التربوي الإسلامي لمفهوم العالمية، بما يؤهلنا للتعامل مع معطيات عصر العولمة، والانفتاح على العالم بصورة تليق بالشباب العربي الواعي.

المراجع:

المراجع العربية

  1. البسيوني، علي أحمد. (2017) الأساليب الحديثة والمهارات المتقدمة في تحقيق الجرائم الإلكترونية، مجلة الفكر الشرطي عن بحوث مركز بحوث الشرطة، دولة الإمارات، المجلد، 21 العدد ،81 ، ص.51..
  2. بن ورقلة، نادية. (2013). دور شبكات التواصل الاجتماعي في تنمية الوعي السياسي والاجتماعي لدى الشباب العربي، مجلة دراسات وأبحاث،11(5) ،4-2.
  3. جرار، ليلى. (2012).الفيسبوك و الشباب العربي. مكتبة الفلاح، الكويت.
  4. زاهر، راضي. (2003). استخدام مواقع التواصل الاجتماعي في العالم العربي . مجلة التربية .عمان. جامعة عمان الأهلية، 15(67)، 23-44.
  5. قيراط، سعيد. (2010 ). الإعلام والاغتراب والهوية الوطنية . الشروق اليومي، http://www.echoroukonline.com/ara/articles/42718.html
  6. كراسنة ، سميح ؛ جبران ، علي ؛و صالح ، نهيل.(2018).تصورات القيادات التربوية العليا في الأردن للقيم النهضوية المجتمعية، مجلة دراسات تربوية ونفسية،الأردن.
  7. معتوق،جمال وكريم ،شريهان (2012 ): دور شبكات التواصل الاجتماعي في صقل سلوكيات وممارسات الأفراد في المجتمع.{ورقة مقدمة} للملتقى الدولي حول شبكات التواصل الاجتماعي والتغيير الاجتماعي،جامعة بسكرة،الجزائر.

 المراجع الأجنبية:

  1. Al-Darawsheh, A.(2020).”The Role of Social Media Networks in Committing the Criminal Behavior among the Young People in the Jordanian Society from the Perspective of the Students of the Jordanian Universities”, International Journal of Learning and Development.
  2. Lauri, R.(2012): The Conception of Citizen Knowledge in Democratic Theory, pp. 14-15.
  3. Marcia, L.(2011): Social Networking: MySpace, Facebook, & Twitter. Minnesota-USA: Technology Pioneers, pp 50-87.

د. حليمة إبراهيم الفيلكاوي

أستاذ مشارك- قسم علم النفس- كلية التربية الأساسية الهيئة العامة للتعليم التطبيقي والتدريب-الكويت كاتب بمجلة إشراق العمانية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *