الانفتاح الثقافي وأثرة على الأمة الإسلامية

يعيش العالم اليوم تغيرات بوتيرة متسارعة في مجالات مختلفة من الحياة بخاصة في مجال العلوم والتكنولوجيا أدت إلى ثورات معرفية وتقنية والكترونية مسموعة ومرئية، أفضى إلى انفتاح ثقافة المجتمع على ثقافات الآخرين، حيث وضع العالم فيما يشبه الخلاطة الكبيرة، ولم يعد هناك شيء مغلق أو بعيد، والعزلة التي كانت تحمي الأمم الضعيفة خصوصيتها الثقافية من خلاها صارت الآن على مستويات عدة مستحيلة.
وهذا كله صاحبه تغيرات ثقافية واجتماعية واقتصادية أظهرت قيم واتجاهات دينية واجتماعية غير مسبوقة أسست لأساليب تفكير غير مألوفة، وأنماط سلوكية ومعيشة جديدة أثرت في هوية المجتمع الإسلامي، وبلحمة أبنائه وتماسكهم وتفاعلهم فيما بينهم، إذ أن لأمة الإسلام طريقها الخاص في الحياة، ونظرها للفرص والمخاطر نظرة متفردة، تنبع من خصوصية عقيدتها ومنهجها، إنها ذات هوية خاصة تشكلت من مجموع مبادئها الكبرى، وهذه الهوية تتعرض للمخاطر أكثر فأكثر كلما زادت الحياة تعقيدًا، وتواجه أخطارًا تهدد المنظومة القيمية الدينية في المجتمع وتشوهها، ومحاولة طمس العادات والتراث الثقافي للمجتمع، فيضعف بذلك حس الانتماء للوطن، والولاء لأبنائه، والاعتزاز بموروثها الثقافي، وما أنجزته عبر تاريخها، الذي يعد سببًا رئيسًا في وجودها وتماسكها. الهوية تنطمس في أذهان الناشئة، ويضيع الكثير من معالمها في ظل انعدام التكافؤ الإعلامي، وبسبب ضعف التحصينات الداخلية للفرد، والانفتاح بلا وعي على العالم الغربي، وشيوع الثقافة الاستهلاكية فيها، وإطلاق العنان للشهوات وملاحقة مستجداتها لتفرغ الإنسان من ثقافته، وعزله عن قضاياه وهموم أمته، وإدخال الضعف والتشكيك في جميع مقومات حياته وقناعاته الدينية والثقافية، وهي بمجملها تتناقض مع الموروث الثقافي والاجتماعي للمجتمعات المسلمة التي يعيش فيها.
وصار الإنسان يجد نفسه في مواجهة مشكلة أخرى، هي: كيف يتصرف بهذه الإمكانات العلمية والتقنية الهائلة، وكيف يمتلك الحكمة في إدارة الحرية الواسعة التي أصبحت تحت يديه وفي حوزته؟ لقد صار من مسؤولية الإنسان الكبرى أن يسعى إلى ترويض نفسه وأسرته وطلابه على استخدام المنتجات التقنية الحديثة فيما يعود عليه بالنفع؛ وذلك لأن كل منتجات الحضارة قابلة لأن تستخدم بطريقة ترقى بالإنسان، وتدفعه نحو الأمام؛ كما أنها قابلة لأن تستخدم على نحو يجلب له الانحطاط.
وإذا أردنا أن نحدد هدفًا إجماليًا للتربية الإسلامية التي تستهدف تكوين المسلم الحق الذي يعيش في ضوء عقيدته، ومبادئه التي يؤمن بها علينا أن نضع نصب أعيننا بعض النقاط المهمة والتي يمكن أن نعود لها بين الفينة والأخرى؛ حتى نتأكد من أننا لم نهمل أي شيء مهم.
أولاً: تعريف الناشئة على الله عزو وجل، وأنه الواحد الأحد المستحق منا إخلاص العبادة، وإطلاع الناشئة على الخصائص العامة للإسلام وأنه صالح لكل زمان ومكان، وما تتسم به الشريعة الإسلامية من التيسير والتخفيف ورفع الحرج، ومراعاة للظروف الخاصة والطارئة.
ثانياً: تنشئة الأبناء على الأخلاق الفاضلة مثل: الصدق، والأمانة، احترام الوالدين، وصلة الأرحام، وبذل المعروف، ونصرة المظلوم، والوقوف إلى جانب الضعيف، والعفو، والتسامح، وتعزيز روح الانتماء إلى أمة الإسلام، والانتماء إلى المجتمع المسلم الذي فيه الناشئ، والتربية على المحافظة على الموارد الطبيعية، والمحافظة على المرافق العامة والمساهمة في تنميتها.
ثالثاً: تحسين مستوى اتخاذ القرار في الشأن الخاص، والمساعدة على اكتشاف الذات من خلال التعريف على الخطوط الرئيسة التي توجه السلوك.
رابعاً: بث روح الإصلاح في الناشئة، وإشعارهم مسؤوليتهم اتجاه القيام بالدعوة إلى الله تعالى، وتشجيع الخير ومحاصرة الشر، والعمل على تأكيد أن العلم للعمل في نفوس الطلاب، وأن المسلم كي تتطابق أفعاله مع أقواله وأقواله مع مطالب مجاهدة نفسه، ومعتقداته، وتمليك الطالب المبادئ والأساليب التي تساعده على التعلم المستمر، والاستزادة من المعرفة مدى الحياة.
خامساً: التدريب على امتلاك أسس المرونة الذهنية، والتلاؤم مع المتغيرات الجديدة، والاطلاع على أسرار التقدم، ومكامن الغلبة لدى الأمم المتقدمة.
سادساً: التركيز على القيم؛ لأنها القاعدة التي يقوم عليها السلوك، ولو أردنا التحدث عن القيم لطال بنا الحديث، لذا فلنقتصر على المهم منها: كالإيمان الحي، والنية الصالحة، والابتهاج بمعرفة الحقيقة، والشعور بالمسؤولية، وفضيلة المثابرة، وروح الفريق، والوفاء بالوعد، والانتماء لأمة الإسلام، والتفوق والنجاح.
وعلينا أنْ نعي أن الأمة الإسلامية تسعى إلى العلم والتطور والانفتاح الثقافي، والاستفادة من الآخرين، ولكن في الوقت نفسه تأمر الإنسان أنْ يميز بين المفيد والضار، وبين ما يرفع من قيمته وهويته، وبين ما يمسخ هويته ويلغيها.
المراجع:
بكار، د. عبد الكريم، (1420ه)، حول التربية والتعليم، دمشق، دار القلم، ط/2.
خزعلي، قاسم محمد، (2017م)، الانفتاح الثقافي، مجلة العلوم التربوية، المجلد 44، العدد2.
بلقاسمي ومزيان، العولمة الثقافية وتأثيرها على هوية الشباب والمراهقين، مجلة العلوم الإنسانية والاجتماعية، 8، 39، 58.
العتيبي وآخرون، العولمة الثقافية وأثرها على هوية الشباب وقيمهم وسبل المحافظة عليها، (إشراف وتمويل الإدارة العامة لبرامج المنح البحثية بمدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية، مشروع بحثي رقم س ع-7-9).