ترسيخ السمت العُماني: توجيهات جلالة السلطان في حماية الهوية العُمانية
في عصر التحولات العالمية والتغيرات السريعة، تظهر مصالح وأهداف قد لا تتوافق مع القيم والأخلاق الدينية والإنسانية، هذه التحولات تؤثر بشكل كبير على المجتمعات المحافظة، مما يهدد الثوابت الوطنية ويستهدف تغيير الأسس الثابتة التي تميزها، ويهدف هذا التغيير إلى تفكيك الهوية الاجتماعية، بدءًا من المبادئ الأسرية وصولاً إلى المساجد والمؤسسات الاجتماعية، مع التأثير على الولاء والانتماء الوطني، بهدف بناء هياكل عالمية تتسم بالفكر الواحد. وفي ظل هذه المخاطر التي تواجهنا تبرز حاجة المجتمع إلى التصدي لتلك التحديات بحكمة ووعي، وتعزيز القيم والمبادئ التي ترسخ الهوية الوطنية وتعزز من الوحدة الوطنية، من خلال بناء الوعي بالتحولات العالمية وتأثيراتها المتوقعة في الأفراد والمجتمعات، وبيان مخاطرها التي تهدد كيان المجتمع وتماسك الوحدة الوطنية، والعمل على تعزيز الحوار والتفاهم بين أفراد المجتمع.
وقد استشعر جلالة السلطان هيثم بن طارق -حفظه الله ورعاه- مخاطر هذه التحولات العالمية، فأكد في خطابه أمام مجلس عمان على ذلك “إننا إذ نرصد التحديات التي يتعرض لها المجتمع ومدى تأثيراتها غير المقبولة في منظومته الأخلاقية والثقافية؛ لنؤكد على ضرورة التصدي لها، ودراستها ومتابعتها، لتعزيز قدرة المجتمع على مواجهتها وترسيخ الهوية الوطنية، والقيم والمبادئ الأصيلة، إلى جانب الاهتمام بالأسرة؛ لكونها الحصن الواقي لأبنائنا وبناتنا من الاتجاهات الفكرية السلبية، التي تخالف مبادئ ديننا الحنيف وقيمنا الأصيلة، وتتعارض مع السمت العُماني الذي ينهل من تاريخنا وثقافتنا الوطنية” وقد تضمن هذا النص العديد من التوجيهات السامية التي ينبغي أن تعمل عليها المؤسسات التربوية والأكاديمية والاجتماعية والدينية، وقد أخذت عدة محاور نستعرضها وفق الآتي:
أولاً: أكد جلالة السلطان -حفظه الله ورعاه- على ضرورة التصدي للعديد من التحديات والمخاطر التي تهدد المجتمع، وتؤثر بشكل كبير على القيم والثقافة، ويعكس ذلك اهتمام جلالته -أعزه الله- المستمر بمتابعة التطورات الاجتماعية وتحديد المخاطر التي قد تنشأ نتيجة لها، ففي عصر يشهد انحرافات قيمية تحت شعارات منظمات ومؤسسات عالمية، تسعى لبناء مجتمع عالمي لا يلتزم بالقيم والأخلاق الدينية والإنسانية، تبرز الحاجة الماسة للتصدي لتلك التحديات والمخاطر التي تتسم بطابع غير أخلاقي وتتعارض مع قيم المجتمع العماني، لذا من الضروري التنبيه لمخاطر تلك الظواهر والاستعداد للتصدي لها بكل حزم وإرادة.
ثانياً: تأكيد التوجيه السامي من جلالة السلطان -أعزه الله- على أهمية الحفاظ على الهوية الوطنية، التي تشكل الأساس الرئيسي لوحدة وتماسك المجتمع، فهي تعتبر الدرع الحصين الذي يحمي أبناء الوطن، من خلال التمسك بالقيم والمبادئ الوطنية الراسخة، التي تشمل اللغة العربية والدين الإسلامي، والثقافة العُمانية، والتراث الحضاري، والعادات والتقاليد المتأصلة، والقيم والمُثل الاجتماعية، إلى جانب صفات الشخصية العمانية التي تتسم بالثبات والاستمرارية في المبادئ التي شكلت هويتها عبر العصور، وهذه القيم تمثل جوهر الكيان الوطني، وتسهم في تعزيز الوحدة الوطنية وبناء مجتمع متماسك ومتضامن.
ثالثاً: وجه جلالة السلطان -أبقاه الله- بضرورة الاهتمام بالأسرة، وذلك نظرًا لدورها الحيوي كحصن واقٍ لأبنائنا وبناتنا من التأثيرات السلبية المحتملة، وتبرز هذه الرؤية الواعية من خلال التأكيد على أهمية الأسرة، ليس فقط كوحدة إنتاجية للأطفال، بل كمحور رئيسي في تربية وتنشئة الأبناء بطريقة فاعلة ومؤثرة، إذ تعمل الأسرة على تشكيل شخصيات متمسكة بالقيم والأخلاق والتقاليد الوطنية، ومساهمة في المحافظة على وحدة الوطن وانتماءهم الوطني، ويترتب على الأسرة دور مهم ورئيسي في تنمية الفرد وتكوينه كمواطن مسؤول وفاعل في المجتمع، وهو دور لا يمكن إهماله، وجاء التوجيه السامي لجلالته -أبقاه الله- إلى ضرورة أن تقوم الأسرة بهذا الدور وتتحمل مسؤولياتها الأسرية والوطنية.
رابعاً: أعاد جلالة السلطان – أبقاه الله- الحديث عن “السمت العُماني الذي ينهل من تاريخنا وثقافتنا الوطنية”، فالسمت العماني يُعبر عن الهوية الفريدة للشخصية العمانية، حيث تتجلى في التمسك بالقيم والمبادئ الدينية والاجتماعية، وتتسم بالأخلاق الحميدة والفاضلة، وتتوافق الصفات مع المرتكزات الوطنية، حيث تعكس الهوية الوطنية من خلال التعامل مع الآخرين في إطار من التكامل والانسجام، ويتجلى السمت العُماني في بناء الشخصية الخارجية بطريقة تعكس الهوية الوطنية، مما يعزز التميز المجتمعي ويعكس الوحدة والتكامل في الشخصية العمانية.
ويعتبر جلالة السلطان -حفظه الله ورعاه- السمت العُماني مرتكزاً أساسياً في بناء الشخصية العمانية، ويشدد على أهمية ترسيخه في نفوس الأجيال الصاعدة، فتوجيهات جلالته -أعزه الله- تسلط الضوء على التحديات المحتملة التي قد تؤثر على تكوين الشخصية العمانية، وتحث الأسرة على التركيز على هذه الصفات وتعزيزها في تربية الأطفال، لأن الحفاظ على السمت العُماني يعتبر ضرورة للحفاظ على الهوية الوطنية والمبادئ الأساسية التي تميز الشعب العماني في مختلف المجالات الاجتماعية والثقافية. إذ أن النظرة السامية تؤكد على المخاطر القادمة والتي قد تؤثر على الشخصية العمانية مما يدفعها إلى التنازل على العديد من الصفات العمانية التي تهدف إلى تحقيقها العديد من المنظمات والمؤسسات الدولية في جميع الجوانب المجتمعية.
إن المرحلة القادمة بحاجة إلى إعادة النظر في العديد من الأدوار الوطنية التي تقوم بها المؤسسات التربوية والأكاديمية فالعمل التربوي لا يقتصر فقط على المدرسة في تربية النشء وعلى الأسرة في تكوين اللبنات الأولى في بناء الهوية الوطنية، وإنما ينبغي أن تتكامل الأدوار لدى المؤسسات الأكاديمية في تضمين المناهج الدراسية على العديد من المقررات التي ترتبط بالمواطنية والهوية الوطنية والثقافة العُمانية التي تُبرز السمت العُماني، وأن توجيهات جلالة السلطان تشكل الإرشاد الأساسي للأسرة والمجتمع في الحفاظ على هذه الصفات وتعزيزها، من خلال التأكيد على أهمية العناصر الثقافية والتراثية والدينية في بناء الهوية العُمانية، أن الحفاظ السمت العُماني يعتمد بشكل كبير على الجهود المشتركة بين القيادة والمجتمع، بما ينبغي على الأفراد والمؤسسات أن يعملوا بجد على تعزيز هذه الصفات ونقلها للأجيال القادمة كجزء من التزامهم ببناء المجتمع العماني المزدهر والمتماسك، فإن الحفاظ على السمت العُماني يعكس التزامنا العميق بالهوية والتراث، ويساهم في بناء مستقبل واعد لهذا الوطن العزيز الذي يستحق منها أن نعمل بجد وإخلاص من أجل رفعة مكانته بين الأمم.