استراتيجية الولاء التنظيمي في المؤسسات التعليمية

يعد الالتزام التنظيمي واحداً من أهم المجالات التي تعنى بها المؤسسات الحديثة على اختلاف تخصصاتها الخدمية والإنتاجية والتربوية في عمليات التفاعل وبناء العلاقات داخل المؤسسة ذاتها، والتي من شأنها أن تساهم في مدّ الجسور بين المؤسسة والعاملين وكذا محيطها الخارجي وصولاً إلى تحقيق أهدافها.

إن تعزيز قوة العاملين داخل مؤسساتهم التعليمية يؤثر إيجابًا على أدائهم فيظهر في شكل العناية بمتطلبات المؤسسة ومساعدتها في تحقيق أهدافها ومطالبها، ويرتبط سلبًا في الرغبة في ترك العمل داخل المؤسسة وهذا بدوره يؤدي إلى مشكلات تنظيمية كالتسيب التنظيمي وغيرها والتي تقاوم التطور وتسبب إرباكًا في أداء العاملين فيما يتعلق بقدرتهم على إنجاز مهامهم المطلوبة منهم. في هذا الصدد تشير العديد من الدراسات والبحوث العلمية على أهمية الالتزام التنظيمي للمؤسسات التعليمية بهدف تطوير قدراتها وتجاوز الاضطرابات السلوكية التي من شأنها أن تعرقل مسيرة العملية التعليمية وما تمثله من هدر للطاقات والإمكانيات وعادة ما ترجع في أساسها المباشر إلى محيط العمل والعلاقات السائدة في طرق التعامل مع ظروف العمل.

ولأجل بناء استراتيجية واضحة المعالم والأهداف، فلا بد من تعزيز قوة حضور العاملين وولائهم داخل مؤسساتهم التعليمية حيث إن الالتزام التنظيمي للعاملين يعطي قوة ومعنى للرسالة التعليمية، ويشير إلى مدى إخلاصهم وقبولهم لأهداف المؤسسة وقيمها وانسجامهم معها، بل واستعدادهم للتضحية من أجلها، وهذا باعث داخلي وارتباط عاطفي بين الموظف ومؤسسته التي يعمل من أجل تحقيق أهدافها واستمرارية أعمالها.  بناءً على ما ذكر أعلاه، سوف ندرس في هذه المقالة ثلاثة عناصر رئيسة أولهما: أهمية الولاء التنظيمي في المؤسسات التعليمية، ثانيهما: العوامل المساعدة في تكوين الولاء التنظيمي داخل المؤسسات التعليمية، ثالثهما: التطرق إلى أهم الاستراتيجيات التي من شأنها أن تساهم في تعزيز الولاء التنظيمي للعاملين داخل المؤسسات التعليمية.

أولاً: أهمية الولاء التنظيمي داخل المؤسسات التعليمية:

قبل الحديث عن أهمية الولاء التنظيمي داخل المؤسسات التعليمية، لابد من الإشارة إلى أن مفهوم الولاء التنظيمي حظي بأهمية كبيرة لدى علماء الاجتماع والنفس والإدارة. فقد وجد موضوع الولاء التنظيمي جذوره في كتابات إيميل دور كايم وذلك في كتابه تقسيم العمل الاجتماعي، فقد كان تركيزه منصبًا في الأساس على دراسة ومعرفة مصادر التأثير المعنوي للسلطة، وذلك من خلال تحويل المجتمعات من أشكال ميكانيكية إلى أشكال حيوية متصفة بالتضامن والتماسك.

تقودنا دراسة الاتجاهات الاجتماعية والنفسية والإدارية إلى معرفة أهمية الولاء التنظيمي داخل المؤسسات التعليمية والتي انحصرت في عدة متغيرات تنظيمية أهمها مايلي.[1]

  • الرضا الوظيفي: يعد الرضا الوظيفي حالة شعورية ناتجة عن تفاعل الفرد مع المنظمة، تؤدي إلى الانسجام بينهما والتكامل لتحقيق أهداف كل منهما، وبالتالي فإن الرضا الوظيفي هو من مسببات الولاء التنظيمي ومرتبط به.
  • التوازن التنظيمي: يتحدد التوزان التنظيمي أو ما يعرف بالعلاقات التبادلية بأنها المشاعر الناتجة أثناء تفاعل الفرد مع مؤسسته التي يعمل داخلها. حيث إن قوة التوازن التنظيمي داخل أي مؤسسة يتحدد من خلال الروح المعنوية العالية والحماسة الكبيرة لأداء العمل كمسار إيجابي.
  • الصراع التنظيمي: يعرف الصراع التنظيمي بأنه عدم التوافق بين العاملين والمؤسسة في الأهداف والغايات مما يؤدي إلى اختلاف الجهود، وبالتالي فإن عدم التفاعل والتأقلم أو هدم التوازن التنظيمي يجعل من المؤسسة أقل تماسكًا وإنتاجية، والعلاقات بين إدارات المؤسسات والأفراد أقل تركيزاً، في هذه الحالة يعد الصراع التنظيمي أحد المؤثرات السلبية على الولاء التنظيمي.
  • العدالة التنظيمية: تتمثل العدالة التنظيمية في تحقيق المساواة بين الموظفين في الحقوق والواجبات في المؤسسة التي يعملون بداخلها، مما تدفع بهم إلى المزيد من بذل الجهد وتسود بينهم الروح المعنوية بما يؤدي إلى تحقيق أهداف المؤسسة.

إن تحقيق هذه المتغيرات السالفة الذكر، تمنح الموظف في أي مؤسسة تعليمية بشكل عام والمدرس بشكل خاص نوعاً من الاستقرار النفسي وتزيد من درجة ثقته بنفسه ورضاه عن وظيفته واندماجه مع زملائه وارتباطه بمدرسته، وبذلك يكون طريقًا للنمو المهني والنجاح المدرسي ونتيجة للإبداع والتعاون المتبادل فيما بينهم في إطار تحقيق أهداف المؤسسة. 

ثانياً: العوامل المساعدة لنمو الولاء التنظيمي داخل المؤسسات التعليمية

عندما نتحدث عن العوامل المساعدة لنمو الولاء التنظيمي داخل أي مؤسسة تعليمية فإننا نقصد بها تلك العوامل التي تؤثر في تكوين الولاء التنظيمي لدى الافراد العاملين في أي مؤسسة. وفي هذا الصدد سوف نتحدث عن العوامل التنظيمية المرتبطة بالتنظيم التي يعمل فيها أي موظف، وهي على النحو التالي.[2]

  • مساعدة الفرد على إشباع حاجاته: إن التحاق أي موظف بأي مؤسسة يريد العمل بداخلها يسعى في البداية لتحقيق حاجاته ورغباته المتعددة سواء السيكولوجية أو البيولوجية منها، فإن قامت المؤسسة بتلبيتها سينعكس إيجابًا في نمو الولاء التنظيمي لدى العاملين، وإذا تجاهلت المؤسسة هذا العنصر الفعال عندئذ يميل الفرد للبحث عن مكان أخر يجد فيه ضالته.
  • وضوح الأهداف وتحديد القرار: حيث أوضحت العديد من الدراسات في هذا المجال بأن وضوح الأهداف تجعل العاملين في أي مؤسسة أكثر قدرة على فهمها وتحقيقها، وكذلك الحال بالنسبة لتحديد الأدوار، فتحديد الأدوار يعمل على تنمية الولاء عند العاملين نظراً لما يترتب عليها من استقرار وظيفي، وبنفس الوقت تجنبًا لحدوث أي صراع من شأنه أن يجعل العلاقة بين العاملين والمؤسسة في دوامة من الخلافات وعدم الاستقرار.
  • العمل على إيجاد نظام مناسب للحوافز: يعد هذا العامل من أكثر العوامل المؤثرة في زيادة درجة ولاء الأفراد للمؤسسة التي يعملون بداخلها، وإن توزيعها بشكل عادل يتناسب مع ما يقدمه العامل من جهدٍ وفكر على ألا تكون حكرًا لفئة أو فرد معين.
  • الاهتمام بتحسين المناخ التنظيمي: فقد أظهرت العديد من الدراسات في هذا الأطار بأن التنظيمات ذات المناخ والبيئة المحبطة لمعنويات الموظفين والتي تتصف بعدم المسؤولية، هي تنظيمات تعمل على تشجيع تسرب العاملين وتقلل من درجة الولاء التنظيمي لديهم، لذلك لابد للتنظيمات من العمل على إيجاد البيئة والمناخ التنظيمي الملائم والاهتمام بالموظف في سبيل تنمية الولاء التنظيمي لدى العاملين.
  • نمط القيادة: يؤثر النمط القيادي تأثيراً بالغاً في اتجاهات الأفراد نحو الثقة في المنظمات، كما يؤثر في الحفاظ على الموارد البشرية العاملة في المنظمات من خلال تحقيق درجة عالية من الرضا الوظيفي بما يضمن بقاءهم واستمراريتهم في المؤسسة.

ثالثاً: استراتيجية تعزيز الولاء التنظيمي لدى المؤسسات التعليمية

تبنى والتون استراتيجيات مختلفة لتعزيز الولاء التنظيمي ومنها: استراتيجية الولاء والضبط، وفي هذا الصدد سوف نتحدث عن استراتيجية الولاء التنظيمي لدى والتون والتي ستكون ضمن الجدول الأتي.[3]

الجدول رقم (1) استراتيجية تعزيز الولاء التنظيمي عند” والتون”

محكات الولاء التنظيمي استراتيجية الولاء
الدافعيةتستند إلى نظرية (y) والتي تتلخص في أن أهداف الفرد تتفق مع أهداف المنظمة.
توقعات الأداءتوقعات الأداء بصورة موضوعية
جودة بيئة العملينظر إليها على أنها هامة لتحقيق أهداف التنظيم
المتطلباتتحديد مستوى النمو والترقي في الوظيفة
التدريب والتنمية البشريةالإعداد للوظيفة التي يشغلها الفرد
تقويم الاداءالهدف كأساس للتنمية وتحسين الأداء
اتخاذ القرارالمشاركة والتمكين
نظام الضبطقائم على اسقاطات مستقبلية والمشاركة والقيم
علاقات العملالتعاون، التخطيط، حل المشكلات، الثقة المتبادلة
الصراع الاداريحل المشكلة من خلال المناقشة والبحث عن الحلول

نخلص مما سبق، حتى تتمكن أي مؤسسة تعليمية من تعزيز استراتيجية الولاء التنظيمي بداخلها فلا بد من دراسة كافة الجوانب بما فيها الجوانب السلوكية والسيكولوجية للعاملين والاعتماد على طرائق وأساليب جديدة من شأنها تدعيم سياسة الولاء التنظيمي والذي من شأنه أن يساهم في زيادة حجم الثقة المتبادلة ما بين الموظف والمؤسسة التي يعمل لإجلها.

قائمة المراجع:

  • دودو، نوري. بوكربوط، عزالدين. (2021). “العوامل المكونة للولاء التنظيمي داخل المؤسسة”. مجلة الباحث في العلوم الانسانية والاجتماعية. المدلد.13. العدد.4. ص291-302.
  • السالم، ماهر. (2015). “الولاء التنظيمي لدى مدرسي التعليم الثانوي وعلاقته بالمشاركة في اتخاذ القرار”. رسالة ماجستير غير منشورة. كلية التربية. جامعة دمشق. سوريا.
  • عبد الرزاق، يعقوب. أيمن، أحمد. (2004). “العلاقة بين الولاء التنظيمي والرضا الوظيفي لدى الاخصائين الاجتماعيين بالمجال التعليمي والمجال الطبي”. مجلة القاهرة للخدمة الاجتماعية. المجلد.1. ص306-348.

[1] عبد الرزاق، يعقوب. أيمن، أحمد. (2004). “العلاقة بين الولاء التنظيمي والرضا الوظيفي لدى الاخصائين الاجتماعيين بالمجال التعليمي والمجال الطبي”. مجلة القاهرة للخدمة الاجتماعية. المجلد.1. ص306-348.

[2] دودو،نوري. بوكربوط، عزالدين. (2021). “العوامل المكونة للولاء التنظيمي داخل المؤسسة”. مجلة الباحث في العلوم الانسانية والاجتماعية. المدلد.13. العدد.4. ص299-301.

[3] السالم، ماهر. (2015). “الولاء التنظيمي لدى مدرسي التعليم الثانوي وعلاقته بالمشاركة في اتخاذ القرار”. رسالة ماجستير غير منشورة. كلية التربية. جامعة دمشق. سوريا. ص47-49.

د. معاذ صبحي عليوي

باحث فلسطيني – دكتوراة في الإدارة والسياسة العامة- كاتب بمجلة إشراق العمانية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *