التربية الاجتماعية في ظل مقتضيات الصراع القيمي
يشهد العالم مرحلة من التغيير الحضاري في مختلف المجالات، يأتي في مقدمتها التطور التقني وما نتج عنه من ظهور الذكاء الاصطناعي، وشبكات التواصل الاجتماعي، والتي كان لها الأثر المباشر في بناء الحوار الاجتماعي بين الأفراد وبين الشعوب المتعددة، فأحدث نوع من التقارب الاجتماعي، وساهم في سرعة انتقال المعلومات والأخبار، وتسرب القيم، والمبادئ، والاتجاهات، والسمات الشخصية، والتي كسرت الحدود الجغرافية والحدود الاجتماعية، ولم تُعد هناك أي سلطة أو حدود قادرة على منع تلك المتغيرات أن تصل إلى المجتمعات وتؤثر بشكل مباشر على الحياة الاجتماعية.
فالإنسان منذ ظهوره على سطح الأرض وهو يعيش ضمن كيان اجتماعي ضمن حدود جغرافية معينة، وهذه الأرض كانت تمثل له الارتباط الوجداني ضمن إطار مجتمعي مترابط، ومع التطور الحضاري كانت تلك الحياة الاجتماعية تتطور وتتسع في بناء علاقاتها لتخرج من إطار التجمع القروي الصغير إلى إطار الدولة، ثم اجتازت تلك الحدود لتصبح جزءًا من هذا العالم، تتعايش مع كل ما يشهده من متغيرات، وما يحدث فيه من إحداث متعددة تؤثر على كافة الجوانب التي تتعلق بالإنسان، ومنها الحياة الاجتماعية والتي تمكن الإنسان من المحافظة على المكونات والخصائص والقيم الاجتماعية والتي بنيت على العديد من المبادئ الدينية والأعراف المجتمعية.
إلا أن تلك الرغبة أصبحت مهددة بشكل مباشر، وأصبح التوجه العالمي نحو تصدير العديد من الإشكاليات الاجتماعية والتي ترفضها المجتمعات، لأنها تؤثر بشكل مباشر على الكيان الاجتماعي، وهو يعتبر لدى بعض المجتمعات مرحلة لا يمكن المساس بها أو الاقتراب منها والتأثير عليها، لأنها تدرك أن ذلك يعد تدمير للأسرة والمجتمع، مما يؤدي إلى تحطيم كل الثوابت الاجتماعية، ويصبح المجتمع هشاً ضعيفًا غير قادر على دعم الدولة في تأسيس الكيان الوطني الذي يعتمد في أسسه على القوى البشرية والتي تتمسك بالقيم والمبادئ والثوابت الاجتماعية.
فالأمر لم يعد مرتبط فقط بتأثير شبكات التواصل الاجتماعي بل بعض المؤسسات والمنظمات الدولية تعمل على الزج ببعض السلوكيات التي ترفضها الفطرة والإنسانية والمعتقدات الدينية، والأعراف المجتمعية، مما أدى إلى الإضرار بشكل مباشر على الحياة الاجتماعية، بل أن الأمر وصل إلى الكيان الأسري، مما أدى إلى ارتفاع في الإشكاليات المجتمعية والتي لها الأثر الكبير على الجانب الاقتصادي والاجتماعي، ويجعل المجتمع ضعيفًا غير قادر على التعايش مع المتغيرات العالمية.
فالقضية أصبحت تأخذ أبعادًا عالمية ولم يُعد المجتمع وحده قادر على مواجهتها، إذ لابد أن تقوم المؤسسات الحكومية والمجتمعية تعمل بشكل هادف يساعد على بناء النشء بما يمكنهم من امتلاك السمات التي تساعدهم على الصمود، ومواجهة تلك المتغيرات التي تمس الثوابت الدينية والمجتمعية. فالعودة إلى المدرسة تعتبر جانب مهمًا في ذلك من خلال الاهتمام بالتربية الاجتماعية لما لها من أثر فاعل وداعم للمناهج الدراسية في غرس القيم الفاضلة والأخلاق النبيلة والمبادئ والأعراف المجتمعية، بشكل يكون فيه الأفراد قادرين على التعايش مع تلك المتغيرات ومواجهتها وعدم الانخراط ضمنها.
وتعد التربية الاجتماعية فلسفة تربوية هادفة إلى تربية النشء على الثوابت الاجتماعية والدينية بما يساعد على بناء الأفراد الذين يتمتعون بالسمات الاجتماعية التي تمكنهم من القدرة على التعايش مع الحياة الاجتماعية والالتزام بالثوابت والقيم والمبادئ والتحلي بالأخلاق الفاضلة والتمسك بالهوية الوطنية والمشاركة المجتمعية.
إذ أن التربية الاجتماعية لها دورًا كبيرًا في بناء الأفراد القادرين على التعايش مع المرحلة الحضارية، والعمل على تحقيق الأمن الاجتماعي، ومواجهة الأخطار التي تهدد الكيان الاجتماعي، والعمل على الحفاظ على تماسك المجتمع، وبناء الإطار الأسري الذي يمثل أحد مكونات المجتمع، وحماية حقوق الأفراد والأسرة، والعمل على القيام بالواجبات الاجتماعية، ومساعدة المجتمع في معالجة القضايا والاشكاليات التي يتعرض لها، في ظل الصراع القيمي القائم اليوم والذي يستهدف المجتمعات ويعمل على تدمير كل الثوابت الدينية والاجتماعية.
فالتربية الاجتماعية ليست منهجًا يقرأ ولا كتاب يضمن في المدرسة، وإنما منظومة تكاملية تعمل من خلال المناهج الدراسية إلى تحقيق المشاركة بين كل عناصر العملية التعليمية بما يتم من خلالها من تضمين للمعارف والاتجاهات والقيم والسلوكيات الإيجابية، وبما يساعد على توجيه النشء نحو الصراعات القيمية التي يشهدها العالم اليوم، وما نتج عنه من إشكاليات اجتماعية أصبحنا نعاني منها، فالأرقام تتصاعد بشكل يؤثر على المجتمع، وينبئ بخطورة الأمر، ولا يمكن أن يترك هكذا دون التعرض لها ومناقشتها وبيان خطورة على المجتمع والأفراد، وفي ضوء هذه التحولات الاجتماعية ينبغي تبني استراتيجية وطنية تركز على الآتي:
- تطوير المناهج الدراسية والجامعية من أجل تمكين المواطن من مواجهة الصراع القيمي.
- الاهتمام بالإعلام تطويره بشكل هادف نحو صياغة خطة وطنية تهدف إلى رفع الوعي المجتمعي تجاه الإشكاليات والقضايا التي تمس الكيان المجتمعي والأسري.
- كشف الإشكاليات التي يشهدها العالم وبيان خطورتها على المجتمع.
- توجيه مؤسسات المجتمع المدني من أجل المشاركة في تنمية القيم الوطنية والثوابت الدينية لدى أفراد المجتمع.
- صناعة المحتوى الرقمي الذي يركز على الهوية الوطنية، والاشكاليات الاجتماعية.
- صياغة القوانين التي تواجه صناع المحتوى الرقمي الذي يشوه الصورة الاجتماعية ويؤثر على الكيان الاجتماعي.
- إيجاد مؤسسة اجتماعية تسعى إلى مواجهة الإشكاليات الأسرية وتعمل على معالجتها وفق الأطر الاجتماعية.
- تحقيق العدالة الاجتماعية ومحاربة الظلم والاستبداد.
- العمل المشترك بين المؤسسات التربوية والاجتماعية والدينية، وإيجاد أطار وطني هادف يحقق الرؤية المشتركة في مواجهة التحديات الاجتماعية.
- ترسيخ مضامين المواطنة العالمية دون الإضرار بالهوية الوطنية والثوابت الاجتماعية، وصياغة الحدود التي تضبط السلوك العالمي.
- الاهتمام بالأمن الثقافي وحماية الأطر الاجتماعية ومواجهة المتغيرات التي تدعمها بعض المنظمات الدولية والتي ترفضها الثوابت الدينية والاجتماعية.