شهر ذي الحجة: عبادة ووحدة
شهر ذي الحجة هو الشهر الثاني عشر والأخير في التقويم الهجري الإسلامي، ويحتل مكانة مميزة لدى المسلمين نظراً لأهميته الدينية والروحانية، يتميز هذا الشهر الفضيل بأيامه المباركة ويتضمن شعائر الحج، الذي يعد أحد أركان الإسلام الخمسة وأحد أهم الفرائض التي يؤديها المسلمون، وفي هذا الشهر تتجمع القلوب والنفوس على طاعة الله وعبادته، حيث تشهد الأيام العشرة الأولى منه مكانة عظيمة إذ تُعد من أعظم أيام السنة من حيث الأجر والثواب.
تُعتبر هذه الأيام فرصة ذهبية للمسلمين للتقرب إلى الله من خلال الصيام، والذكر، والصلاة، وقراءة القرآن، والتكبير، والتهليل. ويأتي عيد الأضحى المبارك في العاشر من ذي الحجة، ليجسد روح التضحية والإيثار والتكافل الاجتماعي بين المسلمين، إذ يمثل ذي الحجة شهراً يعزز الوحدة والتضامن بين المسلمين ويذكرهم بأهمية التراحم والتواصل مع الفقراء والمحتاجين من خلال الأضاحي والصدقات، مما يسهم في تحقيق التوازن الاجتماعي والروحي في المجتمع.
ولشهر ذي الحجة، أهمية بالغة، فشهر ذي الحجة له مكانة عظيمة في قلوب المسلمين، فهو شهر العبادات والطاعات، فيه يؤدى فريضة الحج الذي يعد خامس أركان الإسلام. يقول الله تعالى في سورة الحج: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ} (الحج: 27).
الحج هو الركن الخامس من أركان الإسلام، وهو فريضة واجبة على كل مسلم بالغ عاقل قادر على تأديته مرة واحدة في العمر، ويُعد الحج رحلة روحية وجسدية تجمع المسلمين من جميع أنحاء العالم في مكان وزمان واحد، لأداء مناسك محددة في مكة المكرمة والمشاعر المقدسة مثل منى، عرفات، ومزدلفةـ ويشمل الحج العديد من الأركان والواجبات التي ينبغي على الحاج الالتزام بها، منها: الإحرام، الوقوف بعرفة، الطواف بالكعبة، السعي بين الصفا والمروة، ورمي الجمرات.
وللحج فضل عظيم، فهو ليس مجرد فريضة دينية، بل هو وسيلة لتطهير النفس وغفران الذنوب. يقول النبي محمد صلى الله عليه وسلم: “من حج ولم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه” (رواه البخاري ومسلم)، مما يعني أن الحاج يعود بعد إتمام مناسكه خالياً من الذنوب كأنه ولد من جديد، ويشكل الحج تجربة روحية تعزز الشعور بالوحدة والتضامن بين المسلمين، حيث يجتمعون من مختلف الثقافات والبلدان بملابس الإحرام البيضاء، مما يرمز إلى المساواة والتواضع أمام الله..
فتعتبر الأيام العشر الأولى من ذي الحجة من أفضل الأيام عند الله، وقد ورد في فضلها العديد من الأحاديث النبوية. يقول النبي صلى الله عليه وسلم: “ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام”، قالوا: يا رسول الله، ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: “ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء” (رواه البخاري). لذا يحرص المسلمون في هذه الأيام على الإكثار من العبادات والطاعات مثل الصلاة، الصيام، الذكر، قراءة القرآن، والتكبير والتهليل.
تحمل الأيام العشر الأولى من شهر ذي الحجة نفحات إيمانية عظيمة وفرصًا ذهبية للتقرب إلى الله، حيث أقسم الله تعالى بها في كتابه الكريم ليبرز فضلها ومكانتها. يقول الله تعالى في سورة الفجر: “وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ”. فللأيام العشر من ذي الحجة فضلٌ عظيم، إذ تُعتبر هذه الأيام من أفضل الأيام في الإسلام بشكل عام، وعند المسلمين بشكل خاص.
وتتجلى أهمية الأيام العشر من ذي الحجة في تأثيرها العميق على الفرد والمجتمع، حيث تُعتبر فرصة للتوبة والرجوع إلى الله تعالى. يُضاعف الله في هذه الأيام الأجر والثواب العظيم، ويغفر فيها الذنوب منها واللمم، لذا ينبغي على المسلم العاقل أن يستغلها استغلالًا أمثلاً في طاعة الله عز وجل، مثل الامتثال للصلوات المفروضة والنوافل الأخرى، والصيام، والذكر، والتفكر، وقراءة القرآن الكريم، وإنفاق الصدقات على مستحقيها، وأداء فريضة الحج لمن استطاع إليه سبيلاً. وبهذه الأعمال الصالحة، تُقوى علاقة الفرد بربه وتزيد من إيمانه وتقربه من الجنة.
وتعكس الأيام العشر من ذي الحجة إقبال المجتمع على العبادات والطاعات بشكل إيجابي ينعكس على المجتمع ككل، حيث يعم الأمان والسلام والطمأنينة في المجتمعات الإسلامية على وجه الخصوص، وتتجلى قيم التكافل الاجتماعي والتعاون بين أفراد المجتمع، حيث تطهر الصدقات والزكاة النفوس وتدعم الفقراء والمحتاجين والمساكين، مما يعمل على تحقيق التوازن الاجتماعي. وتعزز فريضة الحج، التي يجتمع فيها المسلمون من جميع أنحاء العالم، وحدة الأمة الإسلامية وتلاحمها، وتظهر قوتها وتماسكها.
وفي ختام هذا السياق، يجب علينا أن ندرك أن الأيام العشر من ذي الحجة هي فرصة ذهبية لكل مسلم لنيل رضى الله سبحانه وتعالى ومغفرته. يجب علينا أن نستغل هذه الأيام العشر المباركة بالطاعات وأن نشجع غيرنا على ذلك، خاصة الجيل الصاعد من أبنائنا، لنعيد بناء مجتمعاتنا على أساس من التقوى والبركة.
فشهر ذي الحجة هو شهر مميز يحمل في طياته فرصًا عظيمة للمسلمين للتقرب إلى الله بالعبادات المختلفة، والأعمال الصالحة سواء كانوا حجيجًا يؤدون مناسك الحج، أو مسلمين غير حجيج، يستغلون فضل العشر الأوائل منه. إنه شهر الوحدة والتضامن بين المسلمين، وشهر الرحمة والمغفرة. إنه شهر يعزز الروحانية والوحدة بين المسلمين ويذكرهم بركن مهم من أركان دينهم، ألا وهو الحج نسأل الله أن يتقبل من الجميع صالح الأعمال وأن يعيد علينا هذا الشهر الفضيل بالخير والبركات، وأن يكتب لنا حجًا مبرورًا وسعيًا مشكورًا.
ماشاء الله
شكرا أستاذتنا ع كلماتك الرائعةً
مقال جميل.. جزى الله من اعده وكتبه وسلمت يداه.. بارك الله فيها.