المواطنية والمسؤولية الوطنية: أسس الوحدة والأمن في ظل النظام الأساسي للدولة

الوطن ليس مجرد قطعة أرض نعيش عليها أو مصدر للأموال التي نحتاجها، بل هو مفهوم يتجاوز ذلك إلى الارتباط العاطفي بالأرض والانتماء الروحي للوطن. هو الحب الذي زرع في قلوبنا دون أن يتأثر بالمتغيرات والمستجدات، هو الحُب الأبدي الذي يُجسد في أولئك الأبطال الذين يضحون بأرواحهم ليظل الوطن خالداً بوجوده ومكانته وأرضه وحدوده، وعندما نريد أن نعبر عن هذا الحب، فإن الأمر يتجاوز الممارسات اليومية ليصل إلى التعبير الصادق عن الانتماء والولاء، الذي كان مصدر القسم الذي أديناه من أجل هذا الوطن، في ظل القيادة الحكيمة لمولانا جلالة السلطان هيثم بن طارق -حفظه الله ورعاه-.

وعلينا أن ندرك حقيقة مهمة جداً وهي أن التغيرات العالمية وما يدعو إليه البعض تحت مسمى الحرية المطلقة هي مفاهيم خاطئة تعبر عن الذات من منطلقات فكرية ضعيفة، ومحاولات لإضفاء الشرعية على ممارسات تخرج عن إطار طاعة القيادة الحكيمة وتؤثر في وحدة الصف والمصير، بالرغم من أن البعض يدعي أن هذه الممارسات تتوافق مع الأنظمة والقوانين تحت مظلة الحرية الدينية أو الشخصية، إلا أنهم يتجاهلون أن الحريات تنتهي عندما يبدأ القانون في حماية السيادة الوطنية والدفاع عن الوحدة الوطنية، فلا يمكن للإطار الوطني والجماعي أن ينفصل عن مظلة السيادة الوطنية، بغض النظر عن المبررات التي يحاول البعض استخدامها للتفرد بذاتهم ضمن جماعات صغيرة تخالف النظام، فهذا السلوك ينشئ اضطراباً قد يؤثر مستقبلاً على القرار الوطني، لذا وضع المشرع الأنظمة والقوانين التي تواجه بحزم أي مخالفة للمراسيم السلطانية أو السلطات العامة.

فالوحدة الوطنية تتحقق من خلال الجهود المتضافرة لكل مواطن ودوره الفاعل في المجتمع، فهو الركيزة الأساسية التي يبنى عليها نسيج المجتمع، وعندما يكون لدى كل فرد شعور قوي بالانتماء والولاء للوطن، فإنه يُسهم في تعزيز الوحدة الوطنية، ويقوم المواطن بدوراً محورياً في الحفاظ على الترابط الاجتماعي من خلال احترام الأنظمة القوانين، والسعي والاجتهاد من أجل الحافظ على الوحدة الوطنية، وحماية النظام، والوقوف على جانب الدولة، والمشاركة الفعالة في المبادرات الوطنية والمجتمعية.

إذ إن الوحدة الوطنية ليست مجرد شعار، بل هي واقع يتجسد في التعاون والتضامن بين أبناء الوطن، والعمل المشترك لتحقيق أهداف التنمية المستدامة والازدهار، تحت القيادة الرشيدة لمولانا جلالة السلطان هيثم بن طارق – أعزه الله-، فالمواطن المسؤول هو الذي يدرك مسؤولياته الوطنية، ويقف خلف القيادة الحكيمة ملتزما بالقيم الوطنية، ويعمل وفق المقتضيات التي يسوغها النظام والقانون، دون أن يكون سببا في الخروج عن الوحدة الوطنية، مهما كانت الأسباب التي يتغطى من خلالها في مخالفة الأمر السيادي الذي تفرضه الدولة من أجل حماية الكيان الجمعي والوحدة الوطنية.

ويعتبر النظام الأساسي للدولة الوثيقة الوطنية التي تجسد العلاقة بين المواطن والدولة، وقد تضمن العديد من المواد القانونية التي أخذت جميع الجوانب المتعلقة بهذه العلاقة من خلال تحديد الحقوق والواجبات، إذ اكدت المادة (45) على أهم واجبات المواطن وهي “الحفاظ على الأمن والوحدة الوطنيين وصيانة أسرار الدولة واجب على كل مواطن، والتزام الكافة بمراعاتها مسؤولية وطنية” تؤكد هذه المادة على الدور الوطني الذي يجب أن يكون في مقدمة أولويات المواطن، وهو الحفاظ على الوحدة الوطنية دون التأثير عليها سلباً. وإن مخالفة هذه المادة تعرض الفرد للمساءلة والمحاسبة، وتضع المسؤولية الوطنية في إطار أخلاقي وقانوني يتطلب من كل فرد في المجتمع العمل من أجل مصلحة الدولة وحمايتها، ويتضمن هذا الالتزام أيضاً التوعية بمخاطر الإخلال بالأمن الوطني وتثقيف المواطنين بأهمية الوحدة الوطنية.

في حين ركزت المادة (47) على “احترام النظام الأساسي للدولة، والقوانين، والمراسيم والأوامر السلطانية، واللوائح، والقرارات الصادرة من السلطات العامة تنفيذا لها، ومراعاة النظام العام، واحترام الآداب العامة واجب على المواطنين والمقيمين والموجودين في السلطنة” هذه المادة تعكس التزام الدولة بتعزيز سيادة القانون والحفاظ على النظام العام، وتشدد على أهمية احترام الجميع للقوانين والتشريعات المعمول بها. إن احترام النظام الأساسي للدولة والأوامر السلطانية واللوائح الصادرة عن السلطات العامة يعزز من استقرار المجتمع ويساهم في تحقيق العدالة والتنمية، كما أن مراعاة النظام العام واحترام الآداب العامة يعكسان قيم المجتمع العماني ويمثلان جزءاً أساسياً من مسؤوليات كل فرد يعيش على أرض السلطنة، هذه الالتزامات ليست مجرد واجبات قانونية، بل هي أيضاً تعبير عن الولاء للوطن والتزام بالمشاركة في بناء مجتمع متماسك وآمن.

فالنظام الأساسي للدولة بما يحتويه من مواد قانونية واضحة، يعزز لدى كل مواطن مفهوم المواطنة والمسؤولية، ويحدد دوره الوطني في حماية الوحدة الوطنية، والانحراف عن هذه المبادئ ورفض الالتزام باللوائح الصادرة عن السلطات العامة، أو مخالفتها بناءً على ذرائع واهية، واتباع أنظمة دول أخرى بدلاً من النظام الوطني، هو سلوك مرفوض يعاقب عليه القانون، هذا التصرف يمثل تهديداً للوحدة الوطنية ويؤثر سلباً على السيادة الوطنية، مما يعرض مرتكبيه للمساءلة القانونية، فانتشار مثل هذه السلوكيات يمكن أن يهدد النظام العام للدولة ويؤدي إلى الفوضى، مما يستوجب التعامل معها بحزم ومعالجتها فوراً باستخدام كافة الوسائل القانونية المتاحة، لذا فإن الحفاظ على احترام النظام الأساسي للدولة والامتثال للقوانين هو السبيل لضمان استقرار المجتمع وتعزيز التماسك الوطني.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *