دور التعليم الجامعي في مواجهة الفوضى الرقمية لمنصات التواصل الاجتماعي

يعد الإنترنت إحدى وسائل تكنولوجيا الاتصال الحديثة التي أحدثت ثورة معلوماتية واتصالية مهمة، بموجبها ضمنت تبادل المعلومات كوسيلة هامة للاطلاع المجاني، ومنحت فرصاً جديدة إلى حدٍ كبير أمام أطراف العملية التعليمية للتفاعل وتبادل الآراء، ومناقشة مختلف المواضيع التعليمية، فهي تتم وفقاً لظروف المتعلم واستعداداته وقدراته في تقديم الحقائق والمعلومات كوظيفة تقليدية أساسها الدافعية الذاتية ومساعدته إلى أن يصبح باحثاً نشطاً عن المعلومات لا مُتلقياً عنها.

وفي ظل التقدم السريع في مجال استخدام شبكات التواصل الاجتماعي وإقبال الطلاب على التعامل معها، فقد أضحت جزءاً رئيسًا وهاماً في العملية التعليمية في الجامعات، لاسيما في تنشيط العلاقات التعليمية بين أعضاء هيئة التدريس والطلبة، بهدف تغيير توجهاتهم في التعامل مع المواد التعليمية من متلقٍ إلى متفاعلٍ مع المصادر المعلوماتية المتعددة، مما ساعد على اكتساب الخبرات وتنمية مهارات التعليم التعاوني في مجتمعات المعرفة، والتي تعتمد أساسًا على المعلومات وكيفية الاستفادة منها بأقل جهدٍ وتكلفة ممكنة، حيث أن التعليم كهدف لا يتحقق من خلال تصميم المحتوي التعليمي فقط، ولكن من خلال كيفية استعمال هذا المحتوى والوضعية التعليمية لعضو هيئة التدريس والطالب على حدٍ سواء.[1]

استناداً إلى ما سبق، وفي ضوء الدراسات السابقة ذات الصلة بالتعليم الجامعي  وشبكات مواقع التواصل الاجتماعي مثل: فيس بوك، يوتيوب، تويتر…إلخ، والتي أصبحت منتشرة ومتداولة بين طلبة التعليم الجامعي؛ حيث أشارت تلك الدراسات إلى أن تلك الشبكات لها دور وتأثير واضح في العملية التعليمية التربوية بالجامعات الأجنبية والعربية، مما جعلها تمتلك العديد من المميزات خصوصاً في تلبية الاحتياجات التعليمية في التعليم الجامعي، والتي لم تعد ترفًا على التواصل مع الأصدقاء وتبادل النقاشات الاجتماعية، بل إن دورها تجاوز ذلك بكثير؛ وفي مقدمتهم أعضاء هيئة التدريس والطلبة من أجل خلق بيئة تعليمية هادفة يكون فيها الطالب عنصرًا فاعلاً يشارك في المسؤولية، وليس مجرد متلقٍ سلبي لمعلومات يلقنه إياها عضو هيئة التدريس في الجامعة.

سوف نبحث في هذه المقالة ثلاث جزئيات رئيسة أولهما: أهمية توظيف شبكات التواصل الاجتماعي في التعليم الجامعي: الأسباب والمبررات. ثانيهما: دور التعليم الجامعي في استخدام شبكات التواصل الاجتماعي في دعم العملية التعليمية. ثالثهما: متطلبات توظيف شبكات مواقع التواصل الاجتماعي في دعم العملية التعليمية في الجامعات.

أولاً: أهمية توظيف شبكات التواصل الاجتماعي في التعليم الجامعي: الأسباب والمبررات.

إن الاستخدام المتزايد لشبكات التواصل الاجتماعي، ودخولها في مختلف المجالات ومنها مجال التعليم أدى إلى تغير في الفلسفة التعليمية، فظهر رسميًا نظامٌ يعرف بالتعليم من خلال شبكات التواصل الاجتماعي، بهدف خلق بيئة تفاعلية تشاركية أساسها عضو هيئة التدريس، ويكون فيها الطالب عنصرًا فاعلاً يشارك بكفاءة وفاعلية في العملية التعليمية. وفي ضوء ذلك يمكن إيجاز أهم الأسباب والمبررات التي تدعو إلى ضرورة توظيف شبكات مواقع التواصل الاجتماعي في خدمة العملية التعليمية الجامعية، ولعل أهمها ما يلي:[2]

  • التنامي المتسارع في عدد مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي في العالم، حيث إن الغالبية العظمى من مستخدميها هم من الطلاب الجامعيين، حيث أشارت إحدى الدراسات إلى أن ما يقرب من 90% من طلاب التعليم الجامعي يقضون معظم أوقاتهم على هذه المواقع، لذلك كان استخدامها كوسيلة للتعليم أمرًا طبيعيًا لا يمثل عبثًا، بل يخلط المتعة بالتعليم للوصول إلى المعرفة المنشودة.
  • تحقيق التواصل بين عناصر عملية التعليم والتعلم من خلال الدعم المجتمعي، فاستخدام شبكات مواقع التواصل الاجتماعي بين أعضاء هيئة التدريس والطلاب من شأنه أن يسهم في تقوية العلاقة بينهما خارج أوقات العمل الرسمي، وتوظيف التعلم من الأقران في التعليم من جهة أخرى.
  • اكساب أعضاء هيئة التدريس والطلاب مهارات عديدة لا يمكن اكتسابها في التعليم التقليدي مثل التعاون، والعمل الجماعي، والعمل كفريق بحثي، والإبداع، والقيادة، والإحساس بالانتماء للجماعة مما يساعد على تنشيط مهارات الطلاب عن طريق التعلم بالأنشطة، والتعامل مع المعلومات على أنها حق عام وليست مقتصرة على فئة دون غيرها.
  • تقديم خدمات تعليمية لأعضاء هيئة التدريس والطلاب الجامعيين من خلال إنشاء مكتبة صغيرة تضم الكتب والدروس والمراجعات والشروحات، إضافة إلى مقاطع الفيديو الخاصة بمجال معين للاستفادة منها وإتاحتها للجميع.
  • متابعة المؤتمرات والندوات التي تنشر في حسابات مواقع التواصل الاجتماعي، وإعطاء الدور للطلبة الجامعيين من شتى التخصصات العلمية للمشاركة فيها من جهة، وربط خدمة الأخبار الخاصة بالجامعة بمواقع التواصل الاجتماعي كي يتأتَ للطلبة الجامعيين إمكانية وسهولة الوصول إليها عبر رسائل نصية قصيرة (SMS) بشكل أسهل وأسرع من المحادثات الهاتفية أو البريد الإلكتروني.

ثانياً: دور التعليم الجامعي في استخدام شبكات التواصل الاجتماعي في دعم العملية التعليمية.

مع انتشار شبكات التواصل الاجتماعي في السنوات الأخيرة، أصبح لها دورٌ وتأثيرٌ واضحٌ أكثر من أي وقت ومكان مضى، حيث أثبتت التجربة أن دور هذه الشبكات الاجتماعية مهمٌ وإيجابيٌّ في مسار عمليتي التعلم والتعليم، وأنها أدت إلى تعاون فعالٍ بين أعضاء هيئة التدريس والباحثين من الطلبة الجامعيين، ومن بين أهم هذه الأدوار التي تؤديها شبكات التواصل الاجتماعي في خدمة العملية التعليمية ما يلي:

  • تنمية مهارات التفكير العلمي والإبداعي لدى كلٍّ من أعضاء هيئة التدريس والطلبة الباحثين في إيجاد استراتيجيات وخطط لحل مشكلاتهم التعليمية، والاطلاع على المجلات والدوريات والنشرات العلمية، والكتب والمقالات والتقارير المتنوعة، وإتاحتها بشكل مجاني.
  • تنظيم الأنشطة التعليمية، وهذا يقع على عاتق عضو هيئة التدريس؛ فهو بمثابة المرشد والموجه للطلاب، لأنه يتيح لهم التدريب والتعليم في كيفية التعامل مع تطبيقات مواقع التواصل الاجتماعي في رحلة تعليمهم، خاصة وأن التواصل بين عضو هيئة التدريس والطلاب من شأنه أن يحفز الروح المعنوية فيما بينهم.
  • مشاركة عضو هيئة التدريس طلابه الأنشطة والصور ومقاطع الفيديو والأفكار المرئية من شأنها أن تعزز الروح المعنوية لهم من جهة، وتعزيز التقارب النفسي والاجتماعي مع الطلاب من جهة أخرى.

ثالثاً: متطلبات توظيف شبكات مواقع التواصل الاجتماعي في دعم العملية التعليمية في الجامعات.

   إن استخدام شبكات مواقع التواصل الاجتماعي في دعم العملية التعليمية في الجامعات يتطلب وجود أجهزة مراقبة لهذا الاستخدام، وتوفير المتطلبات المادية اللازمة حتى يستفيد أعضاء هيئة التدريس والطلاب من الفوائد التعليمية لهذه المواقع الاجتماعية.  وفي هذا الإطار يوجد بعض المتطلبات وهي تقسم على النحو التالي:

  • متطلبات خاصة بأعضاء هيئة التدريس:
  • يتوجب تحفيز أعضاء هيئة أعضاء التدريس وإقناعهم بضرورة استخدام هذه الشبكات وتوظيفها في العملية التعليمية، لما لها من فوائد في تعزيز التواصل فيما بينهم.
  • ضرورة تدريب أعضاء هيئة التدريس على كيفية استخدام شبكات التواصل الاجتماعي في العملية التعليمية، وتعريفهم بطرق التدريس باعتبارها إحدى التقنيات الأكثر فعالية في مسار التعليم والتعلم، مما يمكنهم من الاستفادة من المزايا والخصائص التي تتيحها تلك التطبيقات لهم.
  • ضمان توفير الدعم المادي لأعضاء هيئة التدريس الذين يوظفون هذه التقنية في العملية التعليمية، بهدف الاستفادة من خبراتهم في توظيف كل ما هو جديد في عالم التكنولوجيا.
  • متطلبات خاصة بالطلاب.
  • عقد البرامج والأنشطة التوعوية بأهمية استخدام شبكات التواصل الاجتماعي في العملية التعليمية مع ضرورة توظيفها والاستفادة منها، مما يولد لديهم حافزًا إيجابيًا للتفاعل مع عضو هيئة التدريس، ويوفر جهدًا كبيرًا في عملية التعليم، وكذلك التعريف بأخلاقيات وسلوكيات التعامل الأمثل مع هذه الشبكات التعليمية.
  • توفير بُنى تحتية داخل الجامعات خاصةً للطلاب الذين لا يمتلكون أجهزة حواسيب تمكنهم من الاستفادة من تطبيقات شبكات التواصل الاجتماعي.
  • متطلبات إدارية ومالية.
  • ضمان توفير قاعات ومختبرات مجهزة بأحدث الأجهزة العلمية بهدف تدريب أعضاء هيئة التدريس والطلاب على التعامل مع تلك التطبيقات، وكيفية الاستفادة منها في العملية التعليمية على غرار الكليات والجامعات الأجنبية المزودة بأحدث الأجهزة العلمية.
  • إقرار التشريعات والقوانين الداعمة لاستخدام هذه الشبكات في العملية التعليمية.
  • أن تسعى الجامعة لتأمين الدعم الكلي والشامل بما فيها المكأفاة المادية واللوجستية لأعضاء هيئة التدريس، بهدف الاستخدام الأمثل لهذه الشبكات الاجتماعية في العملية التعليمية.

وخلاصة القول، وفي ظل الفوضى الرقمية لمواقع التواصل الاجتماعي لم يعد دورها مقتصرًا على الجانب الاجتماعي فحسب، بل أصبحت جزءًا مهمًا في الجانب التربوي والتعليمي؛ لذا لابد من توظيفها بشكل فعال في توسيع دائرة مجالات عملها خاصةً بين أعضاء هيئة التدريس من جهة، والطلاب من جهة أخرى، بهدف خلق بيئة تفاعلية نشطة يكون فيها عضو هيئة التدريس والطالب عناصر فاعلة، يشاركون بكفاءة في ديمومة العملية التعليمية فيما بينهم.

المراجع:

الدهشان، جمال. (2019). “توظيف شبكات التواصل الاجتماعي في خدمة العملية التربوية والتعليمية لماذا؟ في ماذا؟ وكيف؟”. المجلة الدولية للبحوث في العلوم التربوية. مج2. ع2. ص 51-85.

وليدة، حدادي. (2017). “دور مواقع التواصل الاجتماعي في دعم التعليم الجامعي”. مجلة أنسنة للبحوث والدراسات. مج8.ع1. ص145-165.


[1] وليدة، حدادي. (2017). “دور مواقع التواصل الاجتماعي في دعم التعليم الجامعي”. مجلة أنسنة للبحوث والدراسات. مج8.ع1. ص146.

[2] الدهشان، جمال. (2019). “توظيف شبكات التواصل الاجتماعي في خدمة العملية التربوية والتعليمية لماذا؟ في ماذا؟ وكيف؟”. المجلة الدولية للبحوث في العلوم التربوية. مج2. ع2. ص 64-68.

د. معاذ صبحي عليوي

باحث فلسطيني – دكتوراة في الإدارة والسياسة العامة- كاتب بمجلة إشراق العمانية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *