الأبعاد الاستراتيجية للعلاقات العمانية الكويتية
تتميز العلاقات بين سلطنة عُمان ودولة الكويت بعمق تاريخي يرجع إلى فترات قديمة، حيث كانت الموانئ العمانية نقاط انطلاق للسفن الكويتية نحو وجهات عديدة في شرق آسيا وشرق أفريقيا، هذه الروابط لم تقتصر على النقل والتجارة البحرية وحسب، بل كانت كذلك منصة لتطوير علاقات اجتماعية واقتصادية مستدامة بين الشعبين، مما سهل لمزيد من فرص التكامل بين الدولتين.
وفي العصر الحديث ندرك حجم الترابط الأخوي بين القيادات السياسية والعلاقات الاجتماعية بين الشعبين الشقيقين – رغم البعد المكاني والجغرافي- إلا أن هناك تواصلاً وتقاربًا سياسيًا، وعلاقات اقتصادية كان لها الدور في الاستفادة من الممكنات الاقتصادية والجغرافية للدولتين، وهذا أدى إلى قوة العلاقات بينها في مختلف الأبعاد الاستراتيجية، مما أسهم في التطور الإيجابي وعزز أسس التكتل الخليجي.
وتُعد زيارة جلالة السلطان هيثم بن طارق -حفظه الله ورعاه- إلى دولة الكويت ولقاؤه بأخيه صاحب السمو الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح -حفظه الله ورعاه- نقطة محورية في تعزيز العلاقات السياسية بين سلطنة عُمان ودولة الكويت، وتجسد الزيارة العلاقات الدبلوماسية المتينة بين البلدين، كما تعكس كذلك التزامهما المشترك نحو تعزيز الاستقرار والتعاون الإقليمي؛ إذ يبحث القادة السبل الكفيلة بتوسيع الشراكة الاستراتيجية وتعميق العلاقات الثنائية في مجالات جديدة، مع التأكيد على استمرارية الحوار والمشاورات السياسية لضمان التوافق في المحافل الدولية والإقليمية. كما تُمثل الزيارة فرصة لتبادل الرؤى حول القضايا الإقليمية الملحة، وتعزيز الموقف المشترك اتجاه التحديات التي تواجه دول الخليج العربي، بما في ذلك الأمن الإقليمي والتعاون الاقتصادي مما يسهم في دعم الأمن والسلام الإقليميين.
ويتجلى النهج السياسي والدبلوماسي الذي تتبعه سلطنة عمان ودولة الكويت اتجاه القضايا العربية والإقليمية في التقارب الواضح في إدارة الأزمات التي تواجه منطقة الخليج والوطن العربي، وكلا الدولتين تسعيان بنشاط لدعم الاستقرار السياسي والسلام في المنطقة، مع التأكيد على موقفهما الموحد ضد العدوان على الفلسطينيين في غزة والقدس، وهذه المسائل تعد جزءًا أساسيًا من السياسة الخارجية لكل من عمان والكويت، مما يعكس التزامهما العميق بقضايا العالم العربي ودورهما الفعال في تعزيز التعاون الإقليمي والدولي لمواجهة التحديات.
ويعد البُعد الاقتصادي من الأولويات الرئيسة للحكومتين العُمانية والكويتية، حيث تركزان على استغلال الإمكانات الاقتصادية المتاحة لتحقيق التنمية المستدامة. هذا التعاون قد أفضى إلى إطلاق العديد من المشاريع الاقتصادية الاستراتيجية التي لعبت دورًا فعالًا في تنويع مصادر الدخل وتوفير فرص العمل للشباب في كلا البلدين، مساهمةً بذلك في زيادة الدخل الوطني.
وبفضل الثقة المتبادلة والاستفادة من الموقع الجغرافي المميز لسلطنة عُمان، تستمر الحكومة الكويتية في السعي لإقامة المزيد من المشاريع الاقتصادية من خلال توقيع اتفاقيات ثنائية تعزز التعاون في قطاعات مختلفة مثل الطاقة، الصناعة، والبنية التحتية، وتفتح هذا المبادرات المشتركة آفاقًا واسعة للنمو الاقتصادي، ليس في تعزيز الروابط الاقتصادية بين البلدين فقط، بل كذلك في دعم الاستقرار والازدهار الاقتصادي في منطقة الخليج بأكملها.
فالإحصاءات الصادرة عن المركز الوطني للإحصاء والمعلومات تكشف عن تطور ملحوظ في حجم التبادل التجاري بين سلطنة عُمان ودولة الكويت، مشيرة إلى نمو مستمر ومتزايد خلال السنوات الخمس الماضية، ففي عام 2019م بلغ التبادل التجاري نحو 115.4 مليون ريال عُماني، وقد شهد تصاعدًا كبيرًا ليصل إلى 789.3 مليون ريال عُماني بنهاية شهر نوفمبر عام 2023م، هذا الارتفاع يُظهر الديناميكية والتعاون المتنامي بين البلدين في مجال التجارة.
بالإضافة إلى ذلك تُشير البيانات إلى أن حجم الاستثمارات الكويتية في القطاع الخاص داخل سلطنة عُمان قد بلغ بحلول نهاية الربع الثالث من عام 2023 نحو 922.3 مليون ريال عُماني، وهذه الأرقام تعكس الثقة الكبيرة والالتزام المستمر من جانب الكويت اتجاه تعزيز وتطوير العلاقات الاقتصادية مع عُمان، وتدل على أهمية السوق العُماني كوجهة استثمارية مفضلة للمستثمرين الكويتيين، مما يسهم في توطيد الروابط الاقتصادية بين البلدين وتنميتها.
أما البُعد الثقافي بين الدولتين يتخذ أشكالاً متنوعة، وأدى إلى تنظيم العديد من الفعاليات الثقافية التي أسهمت بشكل كبير في دعم وتعزيز المشاريع الثقافية، خصوصًا في المسرح، والبرامج التلفزيونية والإذاعية، وكذلك في مجالات الصحافة والإعلام. كما شمل التعاون التنسيق المشترك لتنظيم المعارض والمؤتمرات، إضافة إلى الفعاليات الثقافية المتنوعة التي كان لها تأثير إيجابي على النشاط الثقافي في منطقة الخليج. هذا التعاون يعزز الفهم المتبادل من خلال الفعاليات والمشاريع الثقافية بين الشعبين، ويساعد في تعزيز الوعي بالثقافات والتقاليد والفنون المختلفة، الأمر الذي يؤدي إلى تقدير متبادل متزايد وتعميق للإدراك للقيم والمعتقدات المشتركة.
ويلعب البُعد الاجتماعي دورًا كبيرًا في تعزيز العلاقات بين سلطنة عُمان ودولة الكويت، حيث يعكس عمق الروابط الثقافية والاجتماعية المستندة إلى التقاليد والقيم العربية والإسلامية المشتركة، إلى جانب العلاقات الأسرية التي تجمع الشعبين من خلال صلات القرابة والزواج تمتد عبر الحدود الوطنية، مما يعمق التقارب الشعبي ويزيد من التفاعل الاجتماعي بينهما، في حين أن الفعاليات الثقافية المشتركة مثل المهرجانات والاحتفالات، تلعب دورًا حيويًا في تعزيز هذه الروابط، مما يُعزز التقارب الاجتماعي ويفتح المجال لتبادل الخبرات والمعارف بين الشعبين.
ويُعتبر البُعد التعليمي ركيزة وطنية في تنمية شباب الخليج، حيث تتعاون الدولتان الشقيقتان في عدة مجالات ضمن قطاع التعليم العام والعالي، ويشمل هذا التعاون تبادل الخبرات الوطنية، وتنظيم المؤتمرات الدولية المشتركة، والتعاون بين المؤسسات الأكاديمية في مجال البحث العلمي والابتكار، ويُسهم التبادل الطلابي والأكاديمي بين الجامعات والمؤسسات التعليمية في تعزيز الوعي الثقافي والتقدير المتبادل بين الشعوب، مما يدعم تكوين جيل واعٍ ومبتكر قادر على المساهمة في التقدم المجتمعي والثقافي.
إن العلاقات بين سلطنة عُمان ودولة الكويت تتميز بعمق استراتيجي وتاريخي يُثري كل جوانب التعاون بين البلدين من خلال الروابط السياسية القوية، والشراكات الاقتصادية المتنامية، والتبادلات الثقافية والاجتماعية الغنية، وتستمر هذه العلاقات في تعزيز أسس التكامل الإقليمي والسلام الدولي.