الولاء التنظيمي في المؤسسات التعليمية

المنظور الفكري للقيادة المؤسسية قائم على جوانب فلسفية قادرة على إدارة الموارد المادية والبشرية بما يحقق أهداف المؤسسة، فلم يعد دور القيادة محصورًا في إدارة الأعمال وتسيير المعطيات المؤسسية بما يحقق الحضور الإيجابي للموظفين وقيامهم بمهامهم الوظيفية، وإنما أصبح الأمر يتعلق بجوانب قيادية ترتبط بالذكاء القيادي والقدرة على تحقيق الولاء التنظيمي للمؤسسة بما يحقق الأداء الفعلي للموظفين، ويتجاوزه نحو الابتكار الوظيفي وتطوير الأداء بشكل يلامس المؤشرات المحددة، والوصول إلى هذا المستوى يتطلب قيادات مؤسسية تمتلك من المهارات والوعي القيادي ما يؤهلها إلى إحداث عمليات التغيير والتطوير، وبما يتواكب مع التحولات العالمية.

وتمثل رؤية عمان 2040 مسارًا للمستقبل في ظل المتغيرات التي يشهدها العالم، والذي يقترب من الثورة الصناعة الرابعة التي تركز على الذكاء الاصطناعي، ومن المتوقع أن تُحدث تغيرات في الحياة البشرية خلال العشرين سنة القادمة، لذا جاءت رؤية عمان 2040 لتواكب هذه التغيرات، وتعمل على الاهتمام بالإنسان العماني وبناء القدرات الذاتية بغية تحقيق النمو الاقتصادي الوطني القائم على الابتكار الصناعي لمواكبة الحضارة البشرية المتجددة.

إذ تعتبر القوى البشرية التي تتمتع بالكفاءات العالية المحرك الأساسي في نجاح المؤسسات في تحقيق أهدافها وغاياتها، وهذا الأمرُ يعتمدُ على مَدَى مَقْدِرة المؤسسة على بناء الولاء التنظيمي، فالمؤسسات الناجحة هي التي تحقِّق عوائد إنتاجية عالية الجودة، وتعتمدُ في ذلك على الموظف الكفء الذي يمتلك الاتجاهات الإيجابية والرضا الوظيفي، مما يُسهم في زيادة العطاء والإنتاجية في العمل، بل إن الأمر يصل إلى مستوى الإبداع والابتكار وتقديم رؤى تطويرية تُسهم في زيادة مؤشرات الإنتاج.

وقد توصلت نتائج الدراسات البحثية إلى أن الولاء التنظيمي يعكس الرابط بين اتجاهات الأفراد وزيادة الأداء، إذ إن الموظفين الذي لديهم مستويات منخفضة من الولاء لمؤسساتهم ولوظائفهم يؤدي ذلك إلى تنمية اتجاهات سلبية نحو العمل والمؤسسة، إذ لوحظ ارتفاع نسبة الغياب وعدم الرغبة في المشاركة وتقديم التضحيات، مما ينعكس على مدى رضاهم عن العمل، وانخفاض أدائهم وإنتاجيتهم. بينما أدت زيادة ولاء الأفراد لمؤسساتهم ولوظائفهم إلى تنمية الاتجاهات الإيجابية نحو العمل، وزيادة الأداء وارتفاع مؤشرات الإنتاجية والجودة في العمل، وتحقيق هذا الولاء لدى الموظفين لا يأتي إلا من خلال وجود قيادات وطنية تمتلك من المهارات السياسية والإدارية والفنية والسلوكية التي تستغلها من أجل إدارة المؤسسة بما يحقق أهدافها.

إذ إن المؤسسات التي لا تستطيع أن تغرس الولاء التنظيمي، تُواجه عدة تحديات سواء أكان في جودة العمل وإنتاجيته، أو في استمرارية الموظف وبقائه فيها أو رحيله عنها، وهنا تخسر المؤسسة الكادر الخبير والمؤهل الذي أنفقتْ عليه الكثيرَ ليصل لمستوى الخبرة في المهمة التي يقوم بها، وتخسر أيضا جودة العمل حينما يبدأ الموظفون في التذمر والشكوى، وهنا تبدأ عملية التراجع في الأداء وانخفاض مؤشرات الإنتاج.

وتعتبر المؤسسات التعليمية من المؤسسات التي ينبغي أن يمتلك فيها أعضاء الهيئات التدريسية مستوى عال من الولاء التنظيمي، إذ إن غياب هذا الولاء يؤثر بشكل مباشر على مؤشرات الأداء والمستوى العام لمدى قدرة المؤسسة على تحقيق الأهداف والغايات التربوية، وهذا الأمر له انعكاسات خطيرة على التنمية الشاملة للبلد، إذ تتمثل خطورة ذلك في انتقال تلك الاتجاهات السلبية إلى الطلبة مما يقلل الدافعية ورغبتهم في التعلم؛ لذا فالاهتمام بالمعلمين أمر في غاية الأهمية ولا يمكن ترك ذلك دون أن تضع القيادات التربوية الخطط الفاعلة والبرامج الإدارية التي تساعد على تطوير الولاء التنظيمي لدى المعلمين.

 إنَّ المؤسسات الناجحة هي التي تسعى قياداتها لبناء الولاء التنظيمي لدى الموظفين، وهذا الأمر يتعلَّق بتحقيق العديد من الأساسيات في العمل الإداري؛ ومنها: تحقيق الرضا الوظيفي، والعدالة، والحقوق والواجبات، وتقدير إنسانية الموظف وأدائه، وتضحياته من أجل النهوض والارتقاء بالعمل، فالنجاح لا يأتي إلا من خلال التعاون المشترك والبناء بين القيادة والموظفين، فهم يصنعون النجاحات معًا، إذ يقع على القيادات التخطيط الفاعل والشراكة مع الموظفين في بناء الخطط الاستراتيجية والاستفادة من خبراتهم ومهاراتهم في صياغة التصورات المستقبلية.

فالقيادة هي عملية إنسانية قائمة على بناء منظومة من العمل التكاملي والمتكافئ بمشاركة كل المنتمين للمؤسسة، بما يُساعد على العمل فيما بينهم، وبما يؤدي إلى الارتقاء بالأداء من خلال الاهتمام بالتطوير والتدريب، ومعالجة المشكلات وفق منهجية تحقق الولاء. إن إغفال الولاء التنظيمي ومخرجاته في بعض المؤسسات، قد فوّت الفرصة أمامها في التعرف على المتغيرات التي تؤثر في ولاء العاملين وأدائهم، مما انعكس سلبًا على مؤشرات الأداء، دون أن تشعر تلك المؤسسات بخطورة الأمر، فالموظفون إذا لم يحصلوا على كافة حقوقهم ويمنحوا الفرص التنافسية العادلة في التعامل وفق الأطر والنظم المعمول بها في المؤسسات فإن ذلك له تأثيرات قد يتطلب سنوات لمعالجتها، فمن يعتقد أن أحد أهم أساسيات الولاء التنظيمي هو الجانب المادي فهو واهم وغير مدرك لحقيقة الأمر، إذ يقع على القيادات الفاعلة العامل الرئيسي في قدرتها على التأثير في الموظفين من خلال ما تمتلكه من صفات قيادية ومهارات تمكنها من التعاطي مع المواقف المؤسسية بصورة فاعلة وعادلة بين الموظفين. ويضع موقع ( chatgpt) عدة صفات للقائد الناجح الذي له القدرة على تحقيق الولاء التنظيمي وهي:

  1. الرؤية والرغبة في التغيير: يجب على القائد الناجح أن يمتلك رؤية واضحة للمستقبل، ويجب أن يكون لديه الرغبة في تغيير الواقع الحالي باتباع الخطوات الملائمة لتحقيق الرؤية.
  2. القدرة على الاتصال: يجب على القائد الناجح أن تكون لديه القدرة على التواصل بطريقة فعالة مع فريقه، وأن يعبر عن أفكاره ورؤيته بوضوح لتحقيق الأهداف بنجاح.
  3. القدرة على الإلهام: يجب أن يتحلى القائد الناجح بالقدرة على إلهام فريقه وتحفيزه للعمل بجهد وتحقيق الأهداف المشتركة.
  4. الصبر والتحمل: يجب على القائد الناجح أن يكون صبورًا ومتحملًا للظروف الصعبة، وأن يتمتع بالقدرة على التعامل مع المواقف الصعبة بحكمة وتمكن.
  5. الثقة بالنفس: يجب على القائد الناجح أن يكون متأكدًا من قدراته ومهاراته، وأن يمتلك الثقة الكافية بنفسه وبقدرات فريقه.
  6. العدالة والمساواة: يجب أن يتحلى القائد الناجح بالعدالة والمساواة في التعامل مع فريقه، وأن يحترم تنوع الفريق ويشجع على التعاون والعمل الجماعي.
  7. التخطيط والتنظيم: يجب على القائد الناجح أن يتمتع بالقدرة على التخطيط والتنظيم، وأن يحدد الأهداف ويوجه الفريق نحو تحقيقها بأفضل الطرق الممكنة.
  8. الديمقراطية: يجب على القائد أن يكون قادرًا على الاستفادة من الكفاءات المتميزة في المؤسسة في العمل على تطويرها.
  9. الوعي القيادي: وهو القدرة على فهم السياق المحيط بالمنظمة وتحليل التحديات والفرص المتاحة واتخاذ القرارات الحكيمة والفعالة لتحقيق الأهداف المنشودة. ويمكن الوصول إلى الوعي القيادي عن طريق تطوير بعض الصفات الشخصية والمهارات اللازمة للقيادة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *